اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 400
بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، فيقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، وهم يعلمون ما حل بمن خلا قبلهم من الأمم التى عصت ربها وتكذبت رسلها؛ من عقوبات الله وعظيم بلائه، فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير، ومن بين أمة أهلكت بالرجفة، وأخرى بالخسف، وذلك هو المثلات التى قال الله جل ثناؤه: (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) والمثلات: العقوبات المنكلات، والواحدة منها مثلة بفتح الميم وضم الثاء، ثم تجمع مثلات كما واحدة الصدقات صدقة ثم تجمع صدقات، وذكر أن تميما من بين العرب تضم الميم والثاء جميعا من المثلات، فالواحدة على لغتهم منها مثلة ثم تجمع مثلات مثل غرفة وغرفات، والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وتسكين الثاء، فإذا أردت أنك أقصصته من غيره قلت: أمثلته من صاحبه أمثله مثلا، وذلك إذا أقصصته منه وبنحو الذى قلنا فى ذلك قال أهل التأويل. اه.
وفى الآية تبكيت لهم على هذه الغفلة التى تجعلهم يتناسون الاتعاظ بغيرهم؛ وتجاهل ما حل بسواهم من السابقين، وفى المثل: السعيد من وعظ بغيره، والشقى من وعظ بنفسه [1]، وبهذا تقرر الآية الكريمة ناموس العبرة والعظة، وتلفت إليه أنظار الأمم والشعوب.
واعلم: أن العبرة والعظة لا تنحصر فى الفرد ولا فى الجماعة على الاعتبار بحال غيرهما وعاقبته، بل تكون كذلك فى الفرد وفى الجماعة بما يقع لهما من الحوادث، فالفرد الذى يحرص على الاستفادة من تجاربه ونتائج أعماله: يزيد صوابه دائما فتزيد سعادته ويقل خطؤه فيزول شقاؤه، وكذلك الأمة والفرد الذى لا يعتبر ولا يستفيد من تجاربه ونتائج أعماله: يظل على خطئه وضلاله فلا يلقى إلا الخسارة والوبال، وإلى هذا يشير حديث أبى هريرة رضى الله عنه: «لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين» رواه أحمد فى مسنده والبخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجة [2]، ولا يعرض عن الانتفاع [1] من الأمثال. انظر: مجمع الأمثال للميدانى (1/ 481). [2] رواه أحمد (3/ 77) والبخارى (6133) ومسلم (2998) وأبو داود (4862) وابن ماجة (3982) وابن حبان (663) والبيهقى فى «الشعب» (10954) والطبرانى فى «الأوسط» (78) والدارمى (2781) عن أبى هريرة رضى الله عنه.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 400