اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 384
الحكيم لمن أراد أن يعمل فيها فكره، ويوجه إليها أشعة بصيرته، وهذه الآيات تظهر لكل لأحد على قدر علمه وفهمه، وجودة فكره وصفاء ذهنه وصدق توجهه، فأما علماء الهيئة والنبات وغيرهم من الباحثين فى علوم الكون فهم يعرفون من نظامها ما يدهش العقل، وأما سائر الناس فحسبهم هذه المناظر البديعة، والأجرام الرفيعة والعوالم العجيبة، وما فيها من الحسن والروعة والجمال.
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) من دقائق البلاغة فى تركيب هذه الآية الكريمة: أن تقرأ هذه الجملة منها منفصلة عما سواها، فتفهم أن المراد بذلك: لفت النظر إلى التأمل فى طبيعة الأرض وأسرار تكوينها، ففيها قطع متجاورات، ولكنها تختلف فى العناصر، وتتنوع فى الطبائع، وتتباين فى المواد والصفات، باختلاف بعض العوارض الطبيعية فترى فى الأرض قطعة خصبة يانعة لما يجرى فيها من أنهار وما ينبع منها من ماء، وبجوارها صحراء قاحلة قد حرمت هذه المزايا وعطلت من تلك الخواص، وترى قطعة من الأرض معتدلة العناصر صالحة للزرع، وإلى جوارها سبخة مالحة لا تمسك ماء ولا تنبت زرعا، وترى سهلا فسيحا منبسطا يمتد فى سفح جبل عالى الذرا شامخ القمة وفى كل ذلك فوائده ومنافعه للناس.
هذه المعانى الكثيرة تتوارد إلى ذهنك إذا قرأت هذه الجملة منفصلة عما بعدها من بقية الآية الكريمة، فإذا وصلتها بهذه البقية تبادر إلى ذهنك معنى آخر هو: أن المراد الاعتبار والتفكر فى اختلاف ألوان النبات وصنوفه، مع أن الأرض التى يزرع فيها متجاورة متحدة الخواص والماء الذى يسقى به كذلك، ولكنه هو ينبت مختلفا فى شكله، فهو صنوان وغير صنوان، وفى طعمه فبعضه يفضل بعضا فى الأكل.
(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) وفى الأرض كذلك جنات وحدائق وبساتين، فيها الأعناب ونحوها من النباتات المستقلة، وفيها الزروع ونحوها من النباتات الحشيشية السابقة، وفيها كذلك النخيل ونحوه من الأشجار العظيمة الكثيرة الأغصان والأوراق.
(صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) متشابهة وغير متشابهة أو مفردة الساق ومزدوجة، كما قال تبارك وتعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ [الأنعام: 141].
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 384