اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 328
وقد ردّ القرآن عن الرسول صلى الله عليه وسلم هذه التهمة تهمة الإصغاء إلى الأباطيل والتأثّر بالوشايات، وقرّر أنه صلى الله عليه وسلم يستمع حقّا، ولكن إلى الخير عن الله تبارك وتعالى وعن المؤمنين، وأن فى استماعه هذا رحمة للذين أظهروا الإيمان منهم، إذ إنه لو أخذ ينقّب عن بواطن أمورهم، ويفتش عن دقائق أحوالهم، ولم يعاملهم بظواهر حالهم، لكان فى ذلك حرج شديد عليهم، واستماعه هذا رحمة لهم ولا شك، والذين لا يدركون هذه الحقائق ويصرّون على إيذائه صلى الله عليه وسلم بالأقوال الباطلة لهم عذاب أليم.
كما أن من أخلاق هؤلاء المنافقين: الجرأة على الأيمان الباطلة والحلف الكاذب، فهم يدرءون عن أنفسهم بذلك، ويستجلبون به مرضاة الناس.
روى ابن أبى حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال فى شأن غزوة تبوك- الذين نزل فيهم ما نزل-: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا وإن كان ما يقول محمد حقّا (يعنى نفسه) لهم شرّ من الحمر [1]، فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت أشر من الحمار، وسعى بها الرجل إلى نبىّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إلى الرجل فدعاه، فقال: ما حملك على الذى قلت؟ فجعل يلتعن (يلعن نفسه) ويحلف بالله: ما قال ذلك، وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدّق الصادق وكذّب الكاذب، فأنزل الله فى ذلك: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) الآية [2].
وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى مثله، وسمى الرجل المسلم عامر بن قيس الأنصارى، [1] قائل العبارة هو الجلاس بن سويد. وقد تاب وحسنت توبته. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 376). [2] رواه عبد الرزاق فى" المصنف" (18303) عن عروة بن الزبير. وعمير بن سعيد رضي الله عنهما. وقد ذكر ابن سعد أن اسمه: عمير بن سعيد، وذكر ابن حجر أن اسمه: عمير بن سعد. وعمير بن سعيد رضي الله عنه، أمه امرأة الجلاس بن سويد وعمير تربى يتيما فى حجر الجلاس، فسمعه يقول مقولته تلك، التى كانت سببا فى نزول الآيات، فقال له عمير: أى عم، تب إلى الله، وأخبر عمير رسول الله بما قاله الجلاس، وكذّب الجلاس عمير بن سعيد، فأنزل الله هذه الآيات تبرئة لعمير وكان صغيرا فى السن، فقال له صلى الله عليه وسلم: وفت أذنك. انظر:" الإصابة" لابن حجر (4/ 718) الترجمة رقم (6040) و" الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 375، 376).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 328