responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا    الجزء : 1  صفحة : 311
عند ربه، إذ قدم العفو على المؤاخذة فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43] وبين وجه الأمر فقال: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [التوبة: 43].

المجاهدون والقاعدون:
ثم بيّن القرآن الكريم أن الناس قسمان:" مجاهدون وقاعدون" فالمجاهدون يترقّبون النفير حتى إذا سمعوه طاروا إليه، لأنهم يؤمنون بالله فيجاهدون فى سبيله، ويؤمنون باليوم الآخر فيترقبون الجزاء فيه، ويعلمون أن الله سيعوضهم خيرا مما أنفقوا أو فقدوا من نفس أو مال، وأنهم بهذا الجهاد يتّقون عذاب الله تبارك وتعالى فهم يبذلون رغبا ورهبا ابتغاء مرضاة الله عز وجل [1].
روى مسلم من حديث أبى هريرة مرفوعا:" من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه فى سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل والموت .. " [2] والله عليم بالمتقين [3].
وأما القاعدون فهم أولئك الكسالى الذين يتمحكون فى الاستئذان، وينتحلون الأعذار الواهية فيكون ذلك دليلا على أنهم لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر، وأن الشك والريب لا زال كامنا فى أنفسهم، فلا يحمل الإنسان شىء على الجهاد كالإيمان، ولا يقعده عنه شىء كالشك والريبة، فهم فى ريبهم يترددون.
ومن آية تردّدهم: أنهم لم يعدّوا عدّتهم، ولم يأخذوا أهبتهم ولكنهم ظلوا مترددين، يسيرون أم يتخلفون حتى غلب على أنفسهم الجبن والضعف فقعدوا، وفى قعودهم خير كبير للمجاهدين، فلن يضعف قوة المجاهدين كهؤلاء الضعفاء الرّعاديد، ولهذا كان من توفيق الله لعباده أن صرفهم عن الخروج والجهاد فى سبيله.

[1] يشير الإمام بذلك إلى قوله تعالى: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [التوبة: 44].
[2] رواه مسلم (1889) وابن ماجة (3977) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
[3] يبيّن الله فى الآية: (لا يَسْتَأْذِنُكَ) أن الاستئذان للجهاد ليس من عادة المؤمنين، كما يقول الزمخشرى.
ويقول ابن المنير: وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقا، فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه أن يسدى إليه معروفا، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه فى أن يقدم إليه طعاما؛ فإن الاستئذان فى أمثال هذه المواطن أمارة التكلّف والتكرّه. انظر: الانتصاف من الكشاف لابن المنيّر بهامش الكشاف (2/ 274).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا    الجزء : 1  صفحة : 311
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست