اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 261
وهذا المعنى أوضح ما يكون فى الآية التالية، فقد جمع القرآن الكريم مباهج الحياة، ومجامع زينتها، وقوام شئونها، من الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والمتاجر والمساكن، وليس فى الدنيا إلا هذه الثمانية فى كفّة واحدة، ووضع قبالتها: حب الله ورسوله والجهاد فى سبيله، فأيما مؤمن رجح عنده حب الله ورسوله على هذه المحبوبات: فهو قوى صادق الإيمان قوى اليقين، وأيما رجل كانت هذه الثمانية مجتمعة؛ أو كان بعضها أحب إلى نفسه وأقرب إلى قلبه من حبّ الله ورسوله: كان ناقص الإيمان ضعيف العقيدة، والله لا يهدى القوم الفاسقين.
ومن جميل لطف الله: أنه لم ينف أصل الحب، فتلك غريزة فى البشر لا يمكن التخلى عنها، ولكنه إنما نفى تقديم حبّ هذه الأمور على حب الله ورسوله، ويظهر أثر ذلك فيما لو تعارض الحبّان، فهذا كسب حرام يغضب الله ولكنه كثير، وهذا ربح حلال يرضى الله ولكنه قليل، فمن آثر الأول: فقد فسق، ومن آثر الثانى: فهو من المؤمنين الصادقين، وهذه أرض طيبة ومساكن جميلة رحبة، ولكن المقام فيها على ضيم وذل واستكانة فى الدنيا واستهانة بالدين، وهذه هجرة متعبة ولكنها ترضى الله ورسوله، وبحسب ما يختار العبد تكون منزلته من الإيمان أو الفسق، وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟!
فضل محبة الله ورسوله:
ولا يمكن أن يتم إيمان عبد أو يتحقق إلا إذا أحب الله ورسوله من كل قلبه، وظهرت آثار هذا الحب فى تصرفاته، والله يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:
165]، ويقول: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6].
وقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار" [1]. [1] رواه أحمد (4/ 137) والبخارى (16) و (21) و (6941) والنسائى فى" المجتبى" (4988) عن أنس رضى الله عنه.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 261