نظرات في كتاب الله - حسن البنا - مکتبة مدرسة الفقاهة

اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 103

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53].
أما بعد؛ فهؤلاء ثلاثة من شيوخ البحّاثين فى هذه الأمة، وكبار كتّابها ضلّ بهم الفكر، وزاغ بهم البحث، فتركوا الجادّة، وتنكّبوا الطريق [1]، وطلعوا على الناس بما لا يتفق مع أحكام الإسلام وقواعده، وقوانين تفسير القرآن وتفهّمه، وكأنّ الله تبارك وتعالى لم يقل: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2].
وقد سبقهم غيرهم بمثل قولهم، تشابهت قلوبهم، وما أتى القوم إلا من ناحية واحدة: هى أنهم أرادوا أن يحصروا قدرة الله وتصرّفاته فى دوائر عقولهم، وفى حدود هذه النواميس العادية التى جهلنا فيها أضعاف ما علمنا، والله تبارك وتعالى أكبر من ذلك وأجلّ، ولو سمت المدارك، وصفت الأرواح، لعلموا أنّ من آحاد الناس من استطاع أن يقهر هذه النواميس المتعارفة، فكيف بالرسل والأنبياء، فكيف بالحقّ تبارك وتعالى.
اللهم قنا شرّ الحجاب، وتنكّب الصّواب.
هى فتنة بلا شك، وفى الأمة كثير من هذا الصّنف، وما انتدبنا للكتابة فى هذا الموضوع إلا لنكشف للأمة النقاب عما يشاع فيها من هذه الآراء المنحرفة، حتى تتّخذ الحيطة، وتستمسك بالكتاب، ولا تغترّ بشخصيات الكاتبين وما لهم من شهرة فى عالم الكتابة والتأليف، فقد أصبحنا فى زمن كله فتن وأهواء تتجارى بأصحابها كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، ولا نجاة إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، وكتابه المبين، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نتفهّمهما كما كان تفهمهما النبىّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سهولة وبساطة؛ بغير نظر إلى وجوه التأويل ونواحى الخلاف، ثم نتوجه إلى ما يوجّهنا الدين إليه، مستعصمين بالإيمان وصالح الأعمال، وإنّ أكبر ما أتمناه لهذه الأمة: أن يرزقها الله حسن فراسة، تميّز بها بين العدوّ والصّديق، والمبطل والمحقّ.

[1] تنكبوا: أي عدلوا ومالوا. انظر: مختار الصحاح ص 678، ولسان العرب (). والمعنى هنا: أنهم ضلوا الطريق الصواب، وابتعدوا عنه.

اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 103

صيغة PDF

شهادة

الفهرست