اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 102
الكون [1]. فالعلم لم يترق إلى إدراك كنه هذه الحقائق إلى الآن، ولا نزال نعيش بين الأوهام والفروض فيما يتعلق بهذه الناحية، ونحيل الأستاذ إلى ما نقله هو عن شارل ريشيه وجيو وفلا مريون، وغيرهم من أقطاب هذا العلم من اعترافهم بقصوره عن إدراك حقائق هذه النواميس، واشتغاله بتفهم ظواهرها وآثارها فقط.
وإن كان الاصطدام بين العلم والنص فى آثار هذه النواميس وظواهرها، فإنّ عدم الاصطدام إنما يكون بإلزام العلم وحده، وبيان قصوره عن الإحاطة بجملة نظام الكون، ودقائق أسراره لا بأن نفرّ من الميدان، ونتجاهل الآثار التى ذكرتها الأديان.
وأوضح مثال لذلك المعجزات، فالدّين يثبت أن موسى انقلبت عصاه حية تسعى، وعيسى نفخ فى الطير فصار طيرا بإذن الله. والعلم لا يقرّ ذلك لأنه خارج عما أدرك من النظم والنواميس العادية.
فالأستاذ يريد ألّا يصطدم بهذا العلم فيقول: نحن لا ندرك كيفية الانقلاب، ولا كيفية النفخ، ولا كيفية حياة هذا الطير الذى نفخ فيها عيسى، وإنما نؤمن به كما ورد، لأنه من المتشابهات، ويظن أنه بذلك لا يصطدم بالعلم الحديث، وما درى أنه ترك له الميدان، وانهزم على طول الخطّ، ووقف وقفة جامدة تهزم الدين وبنيه أشنع الهزيمة.
أما نحن فنقول لهذا العالم: على رسلك [2]، إنك لم تحط بكل نواميس الكون، فهل هناك ما يمنع أن تكون هذه المعجزات جاءت على ناموس لم نعلمه، بل نذهب إلى أبعد من ذلك وأوضح، فنقول لهذا العالم: ولماذا لا يكون من النواميس الكونية أن الله إذا أرسل رسولا فكذبه قومه خرق له النواميس العادية، فأتى بما لم يستطع غيره الإتيان به، ولا شك أنّ العلم الصحيح سيسلّم بهذه النظريات حتى يأتيه مصداق قوله تعالى: [1] لا يجوز أن يطلق على الله عز وجل مثل هذا الوصف: مؤسّس الكون، لأن أسماء الله عز وجل وصفاته توقيفية، وبالطبع لم يقل الإمام البنا هذه الكلمة مقرّا بها، بل ذكرها على لسان كاتب المقال، وإلا؛ فالإمام البنا يرفض أن تطلق مثل هذه الأوصاف على الله عز وجل، من نحو: مهندس الكون ... الخ، كما بين ذلك فى رسالته (العقائد) من مجموع رسائله ص 387 طبعة المؤسسة الإسلامية ببيروت، وهذه الرسالة كانت مقالات نشرت فى نفس المجلة. بل فى إن رأيه فى عدم جواز إطلاق مثل هذه الأوصاف على الله، مما لم يرد بها نص: كان فى مقالاته السابقة لهذا المقال مباشرة، فلينتبه لذلك. [2] أى اتئد ولا تتعجل. انظر: مختار الصحاح ص 242، ولسان العرب (11/ 281، 282).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 102