اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 100
الطير، وتجنيد الجن والإنس، وتسخير الريح والشياطين، أهذه هى الأخرى ألفاظ حقيقية أم لها معان لم يعرفها العرب بعد؟
فإن استساغها عقل حضرته بمعانيها الظاهرة، فليس خطاب النملة للنمل إلا واحدا من هذه، وربما كان أقلها، وإن كان لها عند حضرته معان أخر فليأت بها. ثم بعد إتيانه بها أنا واثق أنها لا تمتّ إلى معانى القرآن الكريم ولا أغراضه ومقاصده بصلة.
وتصدّى كاتب كبير للرد على العالم الكبير فكان خلاصة ردّه: أنّ القرآن محكم ومتشابه، وأن المتشابه: هو الذى لا نستطيع أن نعلم معناه، أو ندرك حقيقته، وأنّ علينا أن نؤمن بالمتشابه كما ورد، وأننا بذلك نتخلّص من الاصطدام بمفردات العلوم الحديثة، ونتائج البحوث العقلية، وأن من المتشابه: معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقصصهم، وما ورد عن النعيم والعذاب وشئون اليوم الآخر.
فأمّا أنّ فى القرآن محكما ومتشابها فمسلّم؛ لأن الله تبارك وتعالى قال ذلك [1].
وأمّا أنّ المتشابه هو الذى لا نستطيع أن نعلم معناه، فمحل خلاف بيننا وبين حضرة الأستاذ، وبين علماء التفسير بعضهم وبعض، ولنتناس هذا الخلاف مؤقتا، ونساير الأستاذ فى تعريفه للمتشابه ونسلّمه له جدلا على أن نعود إليه فى مقال آخر إن شاء الله تعالى.
ولكن الذى لا نستطيع أن نسلّمه لحضرته هو أن قصص الأنبياء ومعجزاتهم، وما ورد عن النعيم والثواب، وشئون اليوم الآخر، وهو ما يربو على نصف القرآن من المتشابه الذى لا نعلم معناه، ولا نعرف المقصود به.
فأنت إذا قرأت قصة يوسف، أو قصة هود، أو قصة صالح، أو غيرها من قصص الأنبياء: فهمت المراد، وعرفت المقصود، وأدركت وجوه العبرة، وتفصيل العزة؛ ولأمر ما قال الله تبارك وتعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [هود:
120]، وقال تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]. [1] يقصد الإمام قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [آل عمران: 7].
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 100