اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 200
وتقوم الصورة الفنية بإبراز هذا التوافق، في ربط المشاهد بالله سبحانه، الذي خلق الإنسان أيضا، وربطها أيضا بحركة الإنسان على ظهر الأرض، للتأكيد على فكرة التوافق والانسجام، ونفي التعارض أو الصراع بين الاثنين. كما أنها لا تقف عند التصوير الخارجي للطبيعة فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى النفاذ إلى أعماقها، لكشف علاقاتها الخفية بين مشاهدها، وقدرة مبدعها، ورصد حركتها منذ وجودها إلى نهاية مصيرها في الزوال والفناء، فتتحد في هذه النهاية مع نهاية الإنسان، وفق النظرة الدينية للكون والإنسان والحياة.
والثبات الملحوظ في مشاهد الطبيعة، ثبات محدود في إطار زمني مقدّر ومحدّد، وفق سنة الله، وسيعقب هذا الثبات في المشاهد المصورة، مشاهد الفناء والتحطّم، حين يتغيّر الزمن المحدود، إلى الزمن المطلق، في عالم الخلود، يوم القيامة. حين ذاك، تتحطّم مشاهد الطبيعة، ويفنى كل شيء في الوجود، لأن القوانين التي تحكم الطبيعة، وتقيم العلاقة بين أجزائها، تتغير بدخول يوم القيامة، ويحدث الانقلاب في مشاهد الطبيعة، والانفلات في النظام الكوني المحسوس، وتصبح مناظرها الجميلة ذكريات ماضية لعالم الدنيا الزائل.
فالصورة القرآنية تطبع في حس الإنسان ظلّ التغيّر أو ظلّ الفناء للطبيعة، ولا تطبع ظلّ الخلود لها كما في الأعمال الأدبية الكثيرة.
وبهذا يكون للطبيعة في القرآن، صورتان في الذهن، صورة لها في عالم الدنيا، وهي صورة جميلة زاهية متناسقة، وصورة أخرى تناقضها في عالم الآخرة، حين تشهد الطبيعة انفلاتا كونيا مرعبا يتناسب مع أهوال يوم القيامة وأحداثه. كما سنبين ذلك في الفصل الخاص بمشاهد القيامة.
وبهذا يتمّ التواصل بين الصور القرآنية، الامتداد الزماني والمكاني فيها، عبر الانتقال من العالم المحسوس إلى غير المحسوس، ومن المحدود إلى المطلق.
ولكنّ هذا لم يؤثر في تصوير الطبيعة ومشاهدها المتنوعة، من حيث التشابه بين الصورة والطبيعة المرئية، بل إنّ الصورة المرسومة لها في القرآن الكريم هي عين الطبيعة المحسوسة، مع إضفاء الطابع الديني على التصوير، فيزيد جمالها جمالا، لأنه «ما من شيء جميل غير الحقيقة» [1] كما يقول جان برتليمي. [1] بحث في علم الجمال: ص 222.
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 200