اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 196
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ النور: 35.
فنور الله صاف طليق، لا تحدّه حدود، ولا تقيده قيود، فهو نور يملأ السماوات والأرض.
ولكنّ هذه الصورة الطليقة الشفافة لنور الله، تقرّب من الإدراك البشري المحدود، بمثل محسوس. كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ...
ويلاحظ في المثل التركيز على صفاء النور، وكماله، وذلك في نور المصباح، وزيته، والزجاجة التي تزيده تألقا حتى كأنها كوكب دريّ.
وتعتمد الصورة في هذا المثل على التدرّج في رسم هذه اللوحة، والإطالة في عرضها، فتبدأ برسم مكان المصباح، ثم رسم زجاجته الدرّية، ثم رسم مشهد الشجرة المباركة التي تمد المصباح بالزيت، فهي شجرة لا تحجب عنها الشمس في الشروق ولا في الغروب، ثم رسم صورة الزيت الصافي الذي يضيء ولو لم تمسسه نار، فاجتمع في الصورة التمثيلية، صفاء الزيت، وصفاء نور المصباح، وصفاء الزجاجة التي تضاعف النور، وتزيده تألقا نُورٌ عَلى نُورٍ.
وبعد الانتهاء من تصوير المثل عقب عليه بقوله يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ على طريقة القرآن الكريم في تصوير الأمثال، وذلك لإبراز المغزى من المثل، والتركيز عليه.
فالأمثال- كما رأيناها- تشكّل صورة جديدة، في تأدية الأغراض الدينية، وهي أوسع من الصور المعبّرة عن المعاني الذهنية المجردة، لأن الأمثال المصورة تدور حول قضايا فكرية أساسية في الدين كالإيمان والكفر، والعالم الآخر، وتصنيف الناس إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين، وأهل كتاب ... إلخ، وهذه الموضوعات الكبيرة، تتسع لها صورة المثل، بعلاقاته وروابطه التصويرية والتعبيرية بحيث إن الأمثال تتوزّع على مجموعات متماثلة في موضوعها، أو اتجاهها، وتحكم كل مجموعة منها عدة روابط فكرية وتصويرية وتعبيرية. ولكنّ حركتها تظلّ في اتجاه حركة الأمثال القرآنية وتصبّ في مجراها العام، لتشكيل صور جديدة، لها خصوصيتها، وعلاقاتها المتفاعلة، مع حركة الأنساق في الأسلوب القرآني.
فالتصوير في الأمثال، يرتبط أيضا بعلاقات وثيقة بالتصوير الفني في القرآن عموما،
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 196