اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 144
قواعد العقيدة الدينية، وأصولها العامة. فتعبر الصورة عن الأرض الجرداء بلفظ «الميتة» وإنبات الزرع فيها ب «الإحياء» يقول الله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد: 17، وقوله: وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة: 164، وقوله سبحانه أيضا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ العنكبوت: 63، وغير ذلك من الآيات الواردة كثيرا في الأسلوب القرآني.
ويبدو أن تكرار هذه الصور الحسية، والإلحاح عليها في التعبير القرآني، يهدف إلى التركيز على فكرة إحياء الموتى، وتقريب صورة البعث من القبور إلى الأذهان، وقد ورد هذا الغرض صريحا في قوله تعالى: وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ق: 11.
وصورة الأرض الميتة، تقابل صورة الموتى في القبور، فكما أن الله يحيي الأرض بعد موتها، فتنبت الزروع والثمار، كذلك يخرج أجساد الموتى من الأجداث، وهكذا تتّضح حقيقة الحياة بعد الموت، من خلال هذا التصوير الحسي المدرك. وتصوير خلق البشر بالنبات، يرتبط أيضا بهذه الحقيقة الكونية وهي أن الله يحيي ويميت، والحياة والموت في الزروع والنبات، كما في المخلوقات أيضا. قال تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح: 17. يقول الصابوني في تفسيره: «والمعنى خلقكم وأنشأكم من الأرض كما يخرج النبات، وسلّكم من تراب الأرض، كما يسلّ النبات منها، قال المفسرون: لما كان إخراجهم وإنشاؤهم إنما يتمّ بتناول عناصر الغذاء الحيوانية والنباتية المستمدة من الأرض، كانوا من هذه الجهة مشابهين للنباتات التي تنمو بامتصاص غذائها من الأرض، فلذا سمّى خلقهم، وإنشاءهم إنباتا ... » [25].
فالصورة توحي بالعلاقة بين إنبات النبات، وإنشاء البشر، فكما أن النبات، يبدأ من العدم بذرة ثم ينمو ويكبر، ويثمر ثم يزول ويهلك، كذلك أطوار الإنسان، شبيهة بمراحل النبات، لذا تبدو صورة إحياء الموتى وبعثهم من القبور، صورة غير مستغربة، لأنها تعدّ صورة ممتدة، أو متواصلة مع صورة إحياء الأرض الميتة.
كذلك نجد تصوير النوم بالوفاة، والاستيقاظ منه، ب «البعث» للإلحاح على هذه المعاني الدينية التي تشكّل أصول العقيدة، لتقريبها من الأذهان، من خلال هذه الصورة اليومية الملموسة. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [25] صفوة التفاسير: 3/ 453.
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 144