اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 84
وهذه جملةٌ، قد يُرى في أول الأمر وبادئ الظنِّ: أنها تَكْفي وتُغْني. حتى إذا نظَرْنا فيها، وعُدْنا وبدَأْنا، وجَدْنا الأمرَ على خِلاف ما حَسِبْناه، وصادَفْنَا الحالَ على غير ما توهَّمْناه، وعلِمْنا أنهم لِئنْ أَقْصَروا اللفظ، لقد أطالوا المعنى، وإنْ لم يُغرقوا في النزع. لقد أَبْعدوا على ذاك في المَرْمى. وذاك، لأنه يقال لنا: ما زِدْتم على أن قِسْتُم قِياساً، فقُلْتم: نَظْمٌ ونَظْمٌ، وترتيبٌ وترتيب، ونَسْجٌ ونَسْج. ثم بنَيْتم عليه، أنه ينبغي أن تظهر المزيةُ في هذه المعاني هاهنا، حسَب ظهورها هناك، وأنْ يَعظُمَ الأمرُ في ذلك كما عَظُمَ ثَمَّ؛ وهذا صحيحٌ كما قلْتم. ولكنْ بقيَ أنْ تُعْلِمونا مكانَ المزية في الكلام، وتَصفوها لنا، وتذكروها ذِكْراً كما يُنَصُّ الشيءُ ويُعَيَّنُ، ويُكْشَفُ عن وجهه ويُبَيَّنُ. ولا يكفي أن تقولوا: إنَّه خُصوصيةٌ في كيفية النَّظْم، وطريقةٌ مَخْصوصةٌ في نَسَق الكَلِم بَعْضِها على بعض، حتى تَصِفوا تلك الخصوصيةَ وتُبَيِّنوها، وتَذْكُروا لها أمثلةً وتقولوا: مثْلَ كيتٍ وكَيْتٍ، كما يذْكُر لكَ مَنْ تَسْتوصِفُه عَمَلَ الديباج المنقَّش، ما تَعْلَم به وجْهَ دِقَّةِ الصنعة، أَوْ يَعْمَلهُ بين يديكَ، حتى تَرى عِياناً كيف تَذْهبُ تلك الخيوطُ وتَجيءُ، وماذا يَذْهَبُ منها طُولاً، وماذا يَذهب منها عَرْضاً؛ وبِم يَبْدَأ وبم يُثَنِّي وبم يُثَلِّثُ. وتُبْصِرُ من الحِسَابِ الدقيق، ومِنْ عَجيب تَصَرُّفِ اليَدِ ما تَعلمُ منه مكانَ الحِذْقِ ومَوضِعَ الأُستاذيَّة.
ولو كان قولُ القائل لك، في تَفْسير الفصاحة: إنها خصوصيةٌ في نَظْم الكَلِم وضَمِّ بَعْضِها إلى بعضٍ، على طريقٍ مخصوصة، أو على وُجوهٍ تَظْهَرُ بها الفائدةُ، أو ما أشبَهَ ذلكَ من القول المُجْمَل، كافياً في مَعْرفتها ومُغْنياً في العِلْم بها، لكفى مِثْلُه في معرِفة الصناعات كلِّها. فكان يَكْفي في معرفة نَسْج الديباج الكثيرِ التَّصاويرِ، أَنْ تَعْلم أنه تَرتيبٌ للغَزْل على وَجْهٍ مخصوص، وضَمٌّ لطاقاتِ الإبريسم بعضِها إلى بعضٍ، على طُرُقٍ شتى؛ وذلك ما لا يَقولُه عاقلٌ.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 84