اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 329
الإعجاز بنظم الكلام لا بالكلم
ومما تَجِدُهم يَعْتمِدونَه ويرجعِونَ إليه قولُهم: إنَّ المعاني لا تتزايدُ وإنما تَتزايدُ الألفاظُ: وهذا كلامٌ إذا تأملْتَه، لم تَجِدْ له معنًى يَصِحُّ عليه غيرَ أنْ تَجْعلَ تزايُدَ الألفاظِ عبارةً عن المزايا التي تَحْدُثُ مِن توخِّي معاني النحوِ وأَحكامهِ فيما بين الكلم، لأنَّ التزايُدَ في الألفاظ من حيثُ هي ألفاظٌ ونُطْقُ لسانٍ، مُحالٌ.
ثم إنَّا نَعْلمُ أَنَّ المزيةَ المطلوبةَ في هذا البابِ، مزيةٌ فيما طريقُهُ الفكْرُ والنظَرُ مِن غَيرِ شُبْهة؛ ومحالٌ أَنْ يكونَ اللفظُ له صفةٌ تُسْتَنْبَطُ بالفِكْرِ، ويُسْتعانُ عليها بالرويَّة، أللهمَّ إلاَّ أنْ تُريد تأليفَ النغَمِ؛ وليس ذلك ممَّا نحنُ فيه بسبيلٍ. ومِنْ ههنا لم يَجُزْ إذا عُدَّ الوجوهُ التي تَظهر بها المزيةُ أنْ يُعَدَّ فيها الإعرابُ، وذلك أنَّ العِلْم بالإِعرابِ مشترَكٌ بين العَربِ كلِّهم، وليس هو مما يُسْتنبَط بالفكْرِ ويُسْتعانُ عليه بالرويَّة، فليس أحدُهم، بأنَّ إعرابَ الفاعل الرفعُ، أو المفعولِ النصبُ، والمضاف إليه الجرُّ، بأعْلَم مِن غَيره، ولا ذاك المفعولُ به مما يَحتاجون فيه إلى حِدَّةِ ذهنٍ وقوةِ خاطر. إنما الذي تقَعُ الحاجةُ فيه، إلى ذلك العلم بما يُوجِبُ الفاعليةَ للشيء إذا كان إيجابُها من طريقِ المجازِ كقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16] وكقوله الفرزْدق:
سقْتها خروقٌ في المسامِعِ
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 329