اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 313
واعلمْ أنَّ الفائدةَ تَعْظُم في هذا الضربِ من الكلامِ، إذا أنتَ أحسنْتَ النظَرَ فيما ذكرتُ لك من أنكَ تستَطيعُ أنْ تَنقُلَ الكلامَ في معناه عن صورةٍ إلى صورةٍ، مِنْ غيْر أنْ تُغيِّر من لفظِه شيئاً، وتُحوِّل كلمةً عن مكانها إلى مكانٍ آخر وهو الذي وَسَّعَ مجالَ التأويلِ والتفسيرِ، حتى صاروا يتأوَّلونَ في الكلام الواحدِ تأويلَيْنِ أوْ أكثر، ويُفَسِّرون البيتَ الواحدَ عدَّةَ تفاسيرَ. وهو على ذاك الطريقُ المزلَّةُ الذي ورَّط كثيراً من الناس في الهَلَكة؛ وهو مما يَعْلم به العاقلُ شدَّةَ الحاجةِ إلى هذا العِلْم وينْكشِفُ معه عُوَارُ الجاهل به، ويُفتضَحُ عنده المُظْهِرُ الغِنى عنه. ذاك لأنه قد يَدْفع إلى الشيء لا يَصحُّ إلاَّ بتقدير غَير ما يُريه الظاهرُ، ثم لا يكونُ له سبيلٌ إلى معرفةِ ذلك التقديرِ إذا كان جاهلاً بهذا العلم، فيتسكَّع عند ذلك في العمى، ويقع في الضلال. مثالُ ذلك أنَّ مَنْ نظَر إلى قوله تعالى: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمان أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى} [الإِسراء: 110]؛ ثم لم يَعْلمْ أنْ ليسَ المعنى في (ادعوا) الدعاءَ، ولكن الذكْرَ بالاسمِ، كقولك: (هو يُدْعَى زيداً ويدعى الأمير): وأنَّ في الكلام محذوفاً، وأنَّ التقدير: (قل ادعوهُ الله أو ادعوهُ الرحمن أيَّاً ما تدْعوا فلهُ الأسماءُ الحسنى)، كان بعُرْضِ أنْ يقعَ في الشركِ من حيثُ إنه إنْ جرى في خاطره أنَّ الكلامَ على ظاهره، خرجَ ذلك به، والعياذُ باللهِ تعالى، إلى إثبات مَدْعُوَّيْنَ، تعالى اللهُ عن أنْ يكونَ له شريكٌ. وذلك مِن حيثُ كان مُحالاً أن تَعْمِدَ إلى اسمَيْن كلاهما اسمُ شيءٍ واحدٍ فتعطِفَ أحدَهما على الآخَر فتقولَ مثلاً: (اُدْعُ لي زيداً أو الأمير) - والأميرُ هو زيدٌ - وكذلك محالٌ أنْ تقول: "أيّاً ما تَدْعو"، وليس هناك إلاَّ مَدْعوٌّ واحدٌ لأن مِنْ شأن (أي) أنْ تكونَ أبداً واحداً من اثنين أو جماعةٍ ومِن ثَمَّ لم يكن له بدٌّ من الإضافةِ إما لفظاً وإما تقديراً.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 313