اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 204
فقوله: "حاضِراهُ الجودُ". جملةٌ من المبتدأ والخبر كما ترى، وليس فيها "واو" والمَوضِعُ موضعُ حال؛ ألا تراك تقول (أتيتُه فوجدتُه جالساً) فيكون "جالساً" حالاً، ذاك لأن "وجدتُ" في مثل هذا مِن الكلام، لا تكون المتعدية إلى المفعولين، ولكن المتعديةَ إلى مفعولٍ واحدٍ، كقولك: (وجدْتُ الضالَّة). إلاَّ أنه ينبغي أن تَعْلم أنَّ لتقديمه الخبرَ الذي هو "حاضراه" تأثيراً في معنى الغِنى عن (الواو) وأنه لو قال: (وجدتُه الجودُ والكرَمُ حاضراه)، لم يَحسُنْ حسْنَه الآن، وكان السبب في حسْنه مع التقديم أنَّه يَقْرُبُ في المعنى من قولك: وجدته حاضرُه الجودُ والكرمُ، أو حاضراً عنده الجوُد والكرمُ.
وإن كانت الجملةُ من فعل وفاعل، والفعلُ مضارعٌ مُثْبَتٌ غيرُ منفيِّ، لم يكد يَجيء (بالواو) بل تَرى الكلامَ على مجيئها عاريةً من "الواو" كقولك: (جاءني زيدٌ يَسْعى غلامُه بين يديه). وكقوله [من البسيط]:
وقد علوتُ قُتودَ الرَّحْل يَسْفَعُني ... يومٌ قُدَ يْدِيمةَ الجوزاءِ مَسْمومُ
وقوله [من الخفيف]:
ولقد أغتدي يُدافِعُ رُكْني ... أَحْوَذِيٌّ ذو مَيْعَةٍ إضريجُ
وكذلك قولك: (جاءني زيدٌ يُسْرعُ). لا فصل بين أن يكون الفعلُ لذي الحال، وبين أن يكون لمن هو مِنْ سَبَبِه؛ فإنَّ ذلك كلَّه يستمرُّ على الغنى عن "الواو" وعليه التنزيلُ والكلامُ. ومثاله في التنزيل قولُه عزَّ وجلَّ: {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]. وقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى * الذى يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى} [الليل: 17ـ18] وكقوله عزَّ اسمه: {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186].
فأما قولُ ابنِ همَّام السَّلوليّ [من المتقارب]:
فلمَّا خَشِيتُ أَظافِرَهُمْ ... نجوتُ وأَرْهنُهُمْ مالِكا
وفي روايةِ مَنْ روى "وأرهنهم" وما شبَّهوه به من قولهم: (قمتُ وأَصُكُّ وجْهَهُ). فليست "الواو" فيها للحال. وليس المعنى (نجوتُ راهناً مالِكاً وقمتُ صاكَّا وجْهَه) ولكن (أرهَنُ وأصكُّ) حكايةُ حالٍ مثلُ قولهِ [من الكامل]:
ولقد أَمرُّ عَلَى اللئيمِ يَسُبُّني ... فَمضَيْتُ ثُمَّتَ قلْتُ لا يَعْنيني
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 204