اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 192
* وههنا نكتة يجب القطع معها بوجوب هذا الفرق أبداً، وهي أنَّ المبتدأَ لم يكُنْ مبتدأً لأنه منطوق به أولا، ولا كان الخبرُ خَبراً لأنه مذكورٌ بَعْد المبتدأ، بل كان المبتدأُ مبتدأً لأنه مُسْندٌ إليه، ومُثْبَتٌ له المعنى، والخبَرُ خبراً لأنه مسنَدٌ ومثْبَتٌ به المعنى. تفْسير ذلك أنك إذا قلت: (زيدٌ منطلقٌ) فقد أثبتَّ الانطلاقَ لزيد وأَسندْتَه إليه. (فَزَيدٌ) مثبَتٌ له، و (منطلقٌ) مثْبَتٌ به. وأمَّا تقديمُ المبتدأ على الخبر لفظاً، فحكْمٌ واجبٌ من هذه الجهة، أي من جهة أنْ كان المبتدأ هو الذي يُثْبَتُ له المعنى ويسند إليه، والخبَرُ هو الذي يُثْبَتُ به المعنى ويُسنَد. ولو كان المبتدأ مبتدأً لأنه في اللفظ مقدَّمٌ مبدوءٌ به، لكان ينبغي أن يَخْرج عن كونه مبتدأ بأن يقال: (منطلقٌ زيد). ولوجَبَ أن يكون قولهم: إن الخبر مقدم في اللفظ والنيَّةُ به التأخيرُ: محالاً. وإذا كان هذا كذلك ثم جئتَ بمعرفَتَيْن، فجعلْتَهما مبتدأً وخبراً، فقد وجَبَ وجوباً أن تكون مثبِتاً بالثاني معنًى للأَول، فإذا قلتَ: (زيدٌ أخوك): كنتَ قد أثبتَّ "بأخوك" معنى لزيدٍ، وإذا قدَّمتَ وأخَّرتَ فقلتَ: (أخوك زيد): وجَب أن تكون مُثْبتاً بزيدٍ معنًى لـ "أخوك"، وإلاَّ كان تسميتُكَ له الآن مبتدأً وإذ ذاك، خبراً، تغييراً للاسم عليه مِنْ غيرِ معنًى، ولأَدَّى إلى أن لا يكونَ لقولهم "المبتدأُ والخبر" فائدةٌ غير أن يتقدم اسمٌ في اللفظ على اسمٍ من غير أن ينفرد كلُّ واحدٍ منهما بحكْمٍ لا يكون لصاحبه، وذلك مما لا يُشكُّ في سقوطه.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 192