اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 187
إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ ... رأَيْتُ بكاءَكَ الحسَنَ الجَميلا
لم تُرِدْ أنَّ ما عدا البكاءَ عليه فليس بحَسَنٍ ولا جَميل، ولم تقيد الحَسَن بشيءٍ فيتُصوَّر أن يُقْصَرَ على البكاء كما قَصَرَ الأعشى هبةَ المائةِ على الممدوح، ولكنها أرادات أن تُقِره في جنسِ ما حُسْنُهُ الحُسْنُ الظاهرُ الذي لا يُنْكرهُ أحدٌ ولا يَشكُّ فيه شاكٌّ. ومثله قوله حسان [من الطويل]:
وإنَّ سَنام المَجْدِ من آلِ هاشمٍ ... بَنُو بنْتِ مَخْزومٍ ووالدُك العَبْدُ
أراد أن يُثْبِتَ العبوديةَ ثم يجعلَه ظاهرَ الأمرِ فيها ومعروفاً بها. ولو قال: (ووالدُك عبدُ)، لم يكنْ قد جعلَ حالَه في العبودية حالةً ظاهرة متعارَفَة. وعلى ذلك قول الآخر [من الطويل]:
أُسُودٌ إذا ما أبدتِ الحربُ نابها ... وفي سائر الدهر الغيوثُ المواطرُ
نكت أخرى
واعلمْ أنَّ للخبر المعُرَّف (بالألف واللام) معنًى غيرَ ما ذكرتُ لك، ولهُ مَسْلكٌ ثَمَّ دقيق ولَمَحَةٌ كالخَلْسِ يكون المتأمِّلُ عنده كما يقال، يُعرَّف وينكَّر ذلك قولك: (هو البطَلُ المحامي وهو المُتَّقى المرتَجَى). وأنتَ لا تقصدُ شيئاً مما تقَدَّم. فلستَ تشيرُ إلى معنى قد عَلمَ المخاطَبُ أنه كان، ولم يَعْلَمْ أنه ممَّن كان، كما مضى في قولك: (زيد هو المنطلقُ). ولا تريد أن تقصُرَ معنى عليه، على معنى أنه لم يَحصُلْ لغيره على الكَمال، كما كان في قولك: (زيد هو الشجاعُ)، ولا أن تقول إنه ظاهر بهذهِ الصفة كما كان في قوله: (ووالدُكَ العبْدُ)، ولكنك تُريد أن تقول لصاحبك: (هل سمعتَ بالبَطل المحامي؟ وهل حصَّلْتَ معنى هذه الصفةِ؟ وكيفَ ينبغي أن يكون الرجلُ حتى يَستحِقَّ أن يُقالَ ذلك له وفيه؟) فإن كنتَ قلتَهُ عِلماً وتصوَّرْتَه حقَّ تصوّره، فعليكَ صاحبَك واشدُدْ به يدَك، فهو ضالَّتُكَ وعندَه بُغْيتُكَ، وطريقُه كطريقِ قولكِ: هل سمعتَ بالأَسَد، وهل تعرفُ ما هو؟ فإِن كنتَ تَعرفُه فَزيدٌ هو هو بعينه.
نكت أخرى في التعريف
* ويزداد هذا المعنى ظهوراً بأن تكون الصفةُ التي تريدُ الإخبار بها عن المبتدأ، مُجْراةً على موصوفٍ كقول ابن الرومي [من الطويل]:
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 187