responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 147
فدَع الوعيدَ فما وعيدُكَ ضائري ... أَطنِينُ أجنحةِ الذباب يَضيرُ؟ جعلَه كَأنه قد ظَنَّ أنَّ طنين أجنحةِ الذبابِ بمثابةِ ما يَضيرُ، حتى ظَنَّ أنَّ وعيدَه يَضيرْ.
تقديم المفعول على الفعل على الاستفهام
واعلمْ أنَّ حالَ المفعولِ فيما ذكرنا، كحال الفاعل. أَعني: تقديمُ الاسم المفعول يَقتضي أنْ يكون الإنكارُ في طريق الإحالة والمنعِ مِنْ أن يكون بمثابة أَنَّ يُوقَع به مثلُ ذلك الفعلُ. فإذا قلْتَ: (أزيداً تضرب؟) كنتَ قد أَنكرْتَ أن يكون زيدٌ بمثابة أن يُضرَبَ أَو بموضع أن يُجْترأَ عليه ويُسْتَجازَ ذلك فيه. ومِن أَجْل ذلك قُدِّمَ (غير) في قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً} [الأنعام: 14]، وقوله عزَّ وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} [الأنعام: 40]. وكان له من الحُسْن والمزية والفخامة، ما تَعلمُ أنه لا يكون، لو أُخِّرَ، فقيل: (قلْ أَأتخِذُ غيرَ الله ولياً وأَتَدعون غيرَ الله؟) وذلك لأنه قد حصَل بالتقديم معنى قولك: (أيكون غير الله) بمثابة أن (يتخذ ولياً؟) وأَيرْضى عاقلٌ مِنْ نفسه أنْ يفعل ذلك؟ وأيكونُ جهلٌ أجهلَ وعمّى أعمى من ذلك؟ ولا يكون شيء من ذلك إذا قيلَ: (أأتَّخِذُ غيرَ الله ولياً). وذلك لأنه حينئذٍ يَتَناولُ الفعلَ أن يكونَ فقط، ولا يَزيد على ذلك فاعرفْه! وكذلك الحكْمُ في قوله تعالى: {فقالوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} [القمر: 24]، وذلك لأنهم بَنَوْا كُفْرَهم على أَنَّ مَنْ كان مثْلَهم بَشَراً، لم يكن بمثابةِ أنْ يُتَّبع ويُطاع ويُنْتَهَى إلى ما يَأْمر، ويُصدَّقَ أَنه مبعوثٌ من الله تعالى، وأنهم مأمورون بطاعته، كما جاء في الأخرى: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا} [إبراهيم: 10] وكقوله عزَّ وجلَّ: {فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولائك هُمُ العادون} [المؤمنون: 7]. فهذا هو القولُ في الضرب الأَول، وهو أن يكون يَفْعلُ بَعد الهمزة لِفعلٍ لم يَكُنْ.
وأما الضربُ الثاني وهو أن يكون يَفْعَل لفعلٍ موجود، فإنَّ تقديم الاسم يَقتضي شَبَهاً بما اقتضاهُ في الماضي من الأخذ بأن يُقرَّ أنه الفاعلُ، أو الإنكار أنَ يكون الفاعلَ. فمثال الأول، قولك للرجل يَبْغي ويَظْلِمُ: (أَأنت تجيءُ إلى الضعيف فتغْصِبَ ما لَه؟ أأنتَ تَزْعُم أنَّ الأمرَ كَيْتَ وكيت؟) وعلى ذلك قولُه تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]. ومثال الثاني: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32].

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 147
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست