اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 141
واعلمْ أَنَّ هذا الذي ذكرتُ لك في الهمزة "وهي للاستفهام" قائمٌ فيها، إِذا هيَ كانت للتقرير. فإذا قلتَ: (أَأَنْتَ فعلتَ ذاك)، كان غرَضُكَ أنْ تُقَرِّرَهُ بأنه الفاعلُ؛ يُبَيِّنُ ذلكَ قولُه تعالى، حكايةً عن قَوْل نمروذ {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هاذا بِآلِهَتِنَا ياإبراهيم} [الأنبياء: 62] لا شبْهةَ في أنهم لم يقولوا ذلك له عليه السلامُ، وهم يُريدون أنْ يُقِرَّ لهم بأَنَّ كَسْرَ الأصنام قد كان، ولكنْ أَنْ يُقِرَّ بأنه منهُ كان؛ وقد أشاروا له إلى الفعل في قولهم. "أأَنْتَ فعلْتَ هذا"؟ وقال هو عليه السلام في الجواب: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هاذا} [الأنبياء: 63]. ولو كان التقريرُ بالفعل، لَكانَ الجوابُ: فَعلْتُ، أوْ: لم أَفْعَل! فإن قلتَ: أوَ ليس إذا قال: "أَفَعَلْتَ"، فهو يريد أيضاً أن يُقرِّره بأَنَّ الفعلَ كان منه، لا بأنه كان على الجملة؟ فأيُّ فَرْقٍ بينَ الحالَيْنِ؟ فإنه إذا قال: "أَفَعَلْتَ" فهو يقرره بالفعل مِنْ غير أن يُردِّدَه بينَه وبينَ غيرهِ، وكان كلامُه كلامَ مَنْ يُوهِمُ أنه لا يَدْري أنَّ ذلك الفعلَ كان على الحقيقة. وإذا قال: (أأنت فعلت؟) كان قد ردَّدَ الفعلَ بينه وبين غيره، ولم يكُنْ منه في نَفْس الفعلِ تردُّدٌ، ولم يكن كلامُه كلامَ مَنْ يُوهم أنه لا يَدْري أَكانَ الفعلُ أمْ لم يَكُنْ. بدلالةِ أَنك تَقولُ ذلك، والفعلُ ظاهرٌ موجودٌ مشار إليه، كما رأيْتَ في الآية.
واعلمْ أنَّ الهمزةَ فيما ذكرنا، تَقريرٌ بفعلٍ قد كان، وإنكارٌ له لِمَ كان، وتوبيخٌ لفاعِلِه عليه.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 141