اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 131
بل لا يُوجِبُ اللفظُ حينئذٍ أكثرَ مِنْ ظهورهِ فيه على الجملة. وَوِزانُ هذا أنك تقول: (اشتعلَ البيْتُ ناراً) فيكونُ المعنى، أنَّ النارَ قد وقَعَتْ فيه وُقوع الشُّمولِ، وأنَّها قد استولَتْ عليه وأخذَتْ في طرفَيْه ووَسَطِه. وتقول: (اشتعلتِ النارُ في البيت) فلا يُفيد ذلك، بل لا يُقْتضَى أكثرُ من وقوعها فيه، وإصابتها جانباً منه. فأمَّا الشُّمول، وأنْ تكونَ قد استولتَ على البيت وابتزَّتْه، فلا يُعقلُ من اللفظ البتَّةَ.
ونَظيرُ هذا في التنزيل قولُه عزَّ وجل: {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} [القمر: 12] التفجيرُ للعيون في المعنى، وأَوْقَعُ على الأرض في اللفظ، كما أُسنِد هناك، الاشتعالُ إلى الرأس. وقد حصَلَ بذلك منْ معنى الشمولِ هاهنا، مثْلُ الذي حصلَ هناك. وذلك أَنَّه قد أَفادَ أنَّ الأرضَ قد كانت صارتْ عُيوناً كلُّها، وأنَّ الماءَ قد كان يَفُور مِنْ كل مكانٍ منها. ولو أُجريَ اللفظُ على ظاهرهِ فقيل: (وفجَّرْنا عيونَ الأرضِ، أو العيونَ في الأرض)، لم يُفِد ذلك، ولم يَدُلَّ عليه، ولَكانَ المفهومُ منه، أنَّ الماء قد كان فارَ من عيونٍ متفرقةٍ في الأرض، وَتَبجَّس مِن أماكنَ منها.
واعلمْ أَنَّ في الآيةِ الأُولى، شيئاً آخرَ من جنْس النظّم، وهو تَعريفُ الرأسِ (بالأَلِف واللاَّم) وإفادةُ معنى الإضافةِ من غَيْر إضافةٍ، وهو أَحدُ ما أَوْجَبَ المزيةَ. ولو قيل: (واشتعلَ رأس) فَصُرِّح بالإضافة، لذَهَب بعضُ الحُسْنِ؛ فاعرِفْهُ! وأنا أكتبُ لك شيئاً مما سَبيلُ الاستعارة فِيه هذا السبيلُ، ليَستحْكِمَ هذا البابُ في نفسِك، ولِتأْنَسَ به.
فمِن عجيب ذلك قولُ بعضِ الأعراب [من الرجز]:
الليلُ داجٍ كَنَفَا جِلْبَابِهْ ... والبَيْنُ مَحجورٌ على غُرَابهْ
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 131