اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 129
فإنَّكَ تَرى هذه الاستعارة، على لُطْفها وغَرابتها، إنما تَمَّ لها الحسْنُ وانتهى إلى حيثُ انتهى، بما تُوخِّيَ في وضْع الكلام من التقديم والتأخير، وتَجدُها قد مَلُحَتْ ولَطُفتْ بمعاونةِ ذلك ومؤازرتِه لها. وإن شكَكْتَ، فاعمدْ إلى الجارَّيْن والظَّرْف، فأَزِلْ كلآ منها عن مكانه الذي وضَعَه الشاعرُ فيه، فقل: (سالت شعابُ الحيّ بوجوهٍ كالدنانير عليه حين دعا أنصاره). ثم انظرْ كيف يكونُ الحالُ، وكيف يَذهبُ الحسْنُ والحلاوةُ، وكيف تَعْدَم أرْيَحِيَّتَكَ التي كانت، وكيف تَذْهب النشوةُ التي كُنتَ تَجِدُها.
وجملةُ الأمر أنَّ هاهنا كلاماً حُسْنُه لِلَّفظ دونَ النظمِ، وآخرَ حُسْنُه للنظْم دونَ اللفظِ، وثالثاً قرَى الحُسْنَ من الجهتين، ووجبَتْ له المزيةُ بكلا الأمرين؛ والإشكال في هذا الثالث وهو الذي لا تَزالُ تَرى الغلَطَ قد عارضَك فيه، وتَراكَ قد حِفْتَ فيه على النظم فتركْتَه، وطمحْتَ ببصرِكَ إلى اللفظ وقدَّرْتَ في حُسْنٍ كان به، وباللفظ أنه لِلَّفظِ خاصة. وهذا هو الذي أردتُ حين قلتُ لك: إنَّ في الاستعارة، ما لا يُمكنُ بَيانُه إلاَّ مِنْ بَعد العلم بالنظْم، والوقوف على حقيقته.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 129