بَابُ الجِنايَاتِ الموجِبَةِ للدِيَةِ في النَفسِ
تَجِبُ الديةُ بمَا عدا العَمد مِنَ الجَناياتِ، كالخَطأ وما أجريَ مجرى الخَطَأ، وشَبهِ العَمدِ، فأمَّا العَمدُ فَهل تَجِبُ به الدِيَةُ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ: أصحُّهمَا: أنه يَجِبُ بِالعَمدِ أحدُ شيئينِ، إما القصَاصُ أو الدِيَةُ [2]. والثانيةُ: لا يَجِبُ إلا القصَاصُ [3]. والخطأُ تارَةً يقعَ في الفِعلِ نحو: إنْ رمى صَيداً أو عرضَاً فيَصيبُ آدِميَّاً، وتَارةً يقعُ في القَصدِ مثل: أنْ يَرميَ شَخصَاً يظنهُ حَربِيَّاً فإذا هوَ مُسلِمٌ.
وما أُجريَ مجَرى الخطَأ مثلُ: النَّائمِ ينقَلِبُ /367 و/ عَلى إنسَانٍ فَيقتلهُ فلا يوصَفُ فِعلُهُ بِعَمدٍ ولا خَطَأ. وكَذلِكَ مَنْ حَفرَ بِئراً أو نَصَبَ سكيناً فَليسَ لَهُ فِعلٌ في القَتلِ لا عَمد ولا خطأ ولكنْ أُجريَ ذَلِكَ في الحكم مجَرى الخَطَأ. [وأما] [4] شِبهُ الخَطَأ فأن تَقصدَ الِجنايَةَ عليه بما لا يقتلُ غَالِباً نحو: إن يَضرِبَهُ بالسَّوطِ أو العصَا الصَّغيرِ أو يَلكمَهُ أو يلقَيهُ في مَاءٍ قليلٍ أو يجرهُ بما لا يقتُلُ في الغالبِ، ومَا أشبَهَ فإنَّ الدِيَة تجبُ في جَميع ذَلِكَ، فَإنْ ألقَاهُ عَلى أفعى أو ألقى الأفعى علَيهِ فَقَتلهُ فعلَيهِ دِيَتهُ، فإنْ غَصبَ حُراً صَغِيراً فأصَابَهُ عندَهُ صَاعقَةٌ أو نَهَشتْهُ حَيّةٌ عندَهُ فَعلى عَاقلَتهِ ديَتهُ فإنْ مَرِضَ عندَهُ فمَاتَ فعلَى وجهَينِ [5]، فإن صَاحَ بِصَبيٍّ أو مَعتوهٍ وَهمُا عَلى سَطحٍ فَسقَطاَ، أو اعتقَلَ عَاقِلاً فصَاحَ بهِ فَسقَطَ وذهَبَ عَقلُهُ فعلَى عاقِلَتهِ الدِيَةُ في جَميع ذَلِكَ، فأنَ أفزعَ إنسَاناً فأحدَثَ بِغَائطٍ أو بَولٍ فعلَيهِ ثُلثُ دِيتهِ، وعنهُ لاضَمانَ علَيهِ فإنْ أدَّبَ الأبُ ولدَهُ أو المعلِّمُ الصَبيَّ، أو الزَّوجُ زَوجَتهُ، أو السُّلطانُ رَعيتَهُ فَأدَّى إلى تَلفهِ فلا ضَمانَ في ذَلِكَ ويتخرَّجُ وجوب الضَّمانِ عَلى ما قَالهُ إذا أرسَلَ السُّلطانُ إلى امرأةٍ ليحضِرَها فاجهضَتْ جَنينهَا ومَاتَتْ فَعلَى عاقِلتَهِ الدِيَةُ فإن سَلَّمَ وَلدَهُ إلى السَّابحِ لِيُعلمَهُ السِّباحَةَ فغَرقَ في يَدهِ فَقالَ شَيخُنَا: لا ضَمانَ ويحتَملُ وجوب الدِيَةِ عَلى عَاقِلتَهِ [6]، وإذا طلبَ إنسَاناً بالسَّيفِ فوقعَ مِن [1] انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 97/أ، والمغني 9/ 540. [2] انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، والشرح الكبير 9/ 481. [3] انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 162/أ، والمحرر2/ 135. [4] في الأصل ((ما)). [5] أحدهما يضمنه كالعبد الصغير والثاني لا يضمنه لأنه حُر لا تثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير.
انظر: الشرح الكبير 9/ 491. [6] انظر: المقنع: 284، والهادي: 219، والشرح الكبير 9/ 502.
اسم الکتاب : الهداية على مذهب الإمام أحمد المؤلف : الكلوذاني، أبو الخطاب الجزء : 1 صفحة : 514