responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح العمدة - كتاب الطهارة المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 321
شَرْطٌ لِلْخُلُودِ لَا يُحْبِطُ الْعَمَلَ، وَالْحُجَّةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيهَا نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إِلَّا بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ صِحَّةَ الْحَجِّ فِي الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ، وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِحْبَاطَ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الثَّوَابِ دُونَ حَقِيقَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرِّدَّةَ إِنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ وَأَحْكَامِهَا، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَبَقَاءِ أَحْكَامِهَا، أَوْ فِي أَثْنَاءِ وُجُودِهَا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُهَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا تُحْبِطُ الثَّوَابَ إِمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْمَوْتِ عَلَيْهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ أَفْسَدَتِ الْعِبَادَةَ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَهُوَ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْوُضُوءِ قَدِ انْقَضَى، وَإِنَّمَا حُكْمُ الطَّهَارَةِ بَاقٍ، فَهُنَا يُبْطِلُ حُكْمَ هَذِهِ الطَّهَارَةِ وَيَنْقُضُهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْإِحْبَاطِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْإِبْطَالِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَتْ تُحْبِطُ ثَوَابَ مَا مَضَى فَلَأَنْ يَفْسُدَ الْحَاضِرُ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي الْعِبَادَاتِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَدَوَامُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْكَفْرُ يُنَافِي ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ أَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» " فَإِذَا بَطَلَ الْإِيمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ فَشَطْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ مَا مَنَعَ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ مَنَعَ اسْتَدَامَتَهُ، كَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَظُهُورِ الْقَدَمِ فِي حَقِّ الْمَاسِحِ، وَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ، وَلِأَنَّ مَا مَنَعَ الْكُفْرُ ابْتِدَاءَهُ مَنَعَ دَوَامَهُ كَالنِّكَاحِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَعَكْسُهُ مِلْكُ الْمَالِ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا لَمْ تَمْنَعِ ابْتِدَاءَهُ لَمْ تَمْنَعْ دَوَامَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ إِنَّمَا مَنَعَ نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِمِلْكِ أَبْضَاعِ الْمُسْلِمَاتِ، وَهَذَا لَا يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالدَّوَامُ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ مُنِعَ مِنْهَا الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ وَالْقُرْبِ وَالْعِبَادَاتِ، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ

اسم الکتاب : شرح العمدة - كتاب الطهارة المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 321
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست