الوجه الأول: أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راعى إختلاف المكان، ففي حال وجود الطين أخّر غسل رجليه إلى آخر الغسل، حتى لا يتكرر غسله لها مرة ثانية، كما حدث في حديث عائشة رضي الله عنها.
الوجه الثاني: أنه فعل ذلك تعبداً، فمنْ توضأ في غسله أخّر غسلَ رجليه حتى ولو كان المكان نظيفاً ولا يَخْشَى من تَلوّثِهما بالطِّين عند تعميم البدن بالماء.
والوجه الأول: هو الأقوى، والعلم عند الله، لأنه معلوم من حاله في زمانه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يمكن أن يُعَمّم بدنه بالماء إلا، وتطاير عليه رذاذ الطين، واحتاج إلى الغسل ثانية، وعليه فيؤخر إذا كان الموضع كذلك، وأما إذا كان نظيفاً كما في زماننا فإنه يتمُّ الوضوء، ولا يؤخر غسل رجليه، لأن الأصل يقتضي تقديم أعضاء الوضوء، كما دلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام: [إبدأن بميامِنها وبأعضاء الوضوء منها] فهذا يقتضي عدم تأخير أعضاء الوضوء، إلا إذا وجد الموجب، ويدل على أن الأصل تقديمها في الغسل.
والمسألة الثانية: هل هذا الوضوء مقصود للغسل، أو مقصود لذاته، للعلماء وجهان:
الوجه الأول: وضوؤه في الغسل إنما هو لشرف أعضاء الوضوء، أي: أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدأ بالوضوء لفضل أعضاء الوضوء.
الوجه الثاني: هو عبادة مقصودة أي: أنه طهارة مقصودة.