responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 50
فَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ. قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ يُرِيدُ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» أَيْ لَمْ يَجِدْ رِيحَهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَالِمٌ لَا يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ» . وَفِي ذَمِّ الْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِدَادِ طَالِبِ الْعِلْمِ وَدَمِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَيُرَجَّحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اتَّكَأَ عَلَى يَدِهِ عَالِمٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَمَنْ قَبَّلَ رَأْسَ عَالِمٍ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَكَتْ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَنْ عَلَيْهِنَّ لِعَزِيزٍ ذَلَّ وَغَنِيٍّ افْتَقَرَ وَعَالِمٍ يَلْعَبُ بِهِ الْجُهَّالُ» . اهـ. رَازِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَالْجَدَلِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مَذْمُومٌ) خَبَرُ مَنْ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ أَرَادَهُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ) أَيْ بِعِلْمِهِ حَرْثَ الْآخِرَةِ أَيْ ثَوَابَهَا فَشَبَّهَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ بِالزَّرْعِ وَأَطْلَقَ اسْمَهُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا فَائِدَةٌ تَحْصُلُ بِشَيْءٍ، فَالثَّوَابُ بِالْعَمَلِ وَالزَّرْعِ بِالْبَذْرِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: الدُّنْيَا مَزْرَعَةٌ لِلْآخِرَةِ، وَالْحَرْثُ فِي الْأَصْلِ إلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَيُقَالُ لِلزَّرْعِ الْحَاصِلِ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَقَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى غَيْرِ مَا اُشْتُهِرَ وَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي تَكْرِيبِ الْأَرْضِ أَيْ حَرْثِهَا بِالْآلَةِ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (نَزِدْ لَهُ) أَيْ بِالتَّضْعِيفِ أَيْ نُضَعِّفْهُ لَهُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَرِحْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ رَاحَ يَرَاحُ أَوْ رَاحَ يَرِيحُ أَوْ أَرَاحَ يُرِيحُ رِوَايَاتٌ ثَلَاثَةٌ أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ دُخُولِهَا أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا يَدْخُلُهَا أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ. قَوْلُهُ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْكَافِرَ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي ذَمِّ الْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ أَيْ تَخْرُجُ أَمْعَاؤُهُ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَا فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَك أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْت آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» . وَقَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " يَا ابْنَ مَرْيَمَ عِظْ نَفْسَك فَإِنْ اتَّعَظَتْ فَعِظْ النَّاسَ وَإِلَّا فَاسْتَحِي مِنِّي " وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] قَالَ: الْغَاوُونَ قَوْمٌ وَصَفُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَخَالَفُوهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلَانِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طُعْمًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا فَذَاكَ يُصَلِّي عَلَيْهِ طَيْرُ السَّمَاءِ وَحِيتَانُ الْمَاءِ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ وَالْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَيَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ سَيِّدًا شَرِيفًا حَتَّى يُوَاقِفَ الْمُرْسَلِينَ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فِي الدُّنْيَا فَضَنَّ أَيْ بَخِلَ بِهِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طُعْمًا وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا فَذَلِكَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يُنَادَى بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ: هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فِي الدُّنْيَا فَضَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طُعْمًا وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا ثُمَّ يُعَذِّبُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْحِسَابِ» وَقَالَ كَعْبٌ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عُلَمَاءُ يُزَهِّدُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَزْهَدُونَ وَيُخَوِّفُونَ وَلَا يَخَافُونَ وَيَنْهَوْنَ عَنْ غَشَيَانِ الْوُلَاةِ وَيَأْتُونَهُمْ يُؤْثِرُونَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ.
وَقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ: لَيْسَ فِي الْقِيَامَةِ أَشَدُّ حَسْرَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَّمَ النَّاسَ عِلْمًا فَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ هُوَ بِهِ فَفَازُوا بِسَبَبِهِ وَهَلَكَ.
وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالْأَحَادِيثُ فِي ذَمِّ عُلَمَاءِ السُّوءِ وَتَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، وَمَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ عَمَلَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ مَنْ أَمَرَ بِمَا لَا يَفْعَلُ أَشَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ الْفَجَرَةَ هُمْ الْأَخْسَرُونَ إذْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وَأَنَّ حُجَّتَهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، لَمَّا وَهَبَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَكَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْمِعْرَاجِ.

اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست