responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 48
وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا: الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُك وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُو بِالْإِنْفَاقِ.
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ لَا خَيْرَ فِيهِ فَلَا يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا صَدَاقَةٌ، فَإِنَّهُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَمِصْبَاحُ الْبَصَائِرِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرَفِ ادِّعَاؤُهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ. وَقَوْلُهُ: (ذَمًّا) أَيْ خِسَّةً فَإِنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِمُقَابَلَتِهِ لِلشَّرَفِ وَالْخِسَّةُ لَازِمَةٌ لِلذَّمِّ. قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ) أَيْ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُك إلَخْ. وَآثَرَ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ خَيْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّهِ.
قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ يَحْرُسُك) أَيْ يَكُونُ سَبَبًا فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْك، وَالْمُرَادُ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَقْتَضِي الدَّوَامَ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ يَحْرُسُ دِينَك لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَيَعْمَلُ صَاحِبُهُ بِهِ فَيَحْفَظُ دِينَهُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَكَأَنَّهُ فِي ظَلَامٍ لَا يَعْرِفُ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَمَا يَنْفَعُهُ، بَلْ تُحَسِّنُ لَهُ نَفْسُهُ كَثِيرًا مِنْ الْحَرَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ عَلِيٍّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ قَدْ قُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (تَنْقُصُهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَالِ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ. أَوَّلُهَا: الْعِلْمُ مِيرَاثُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَالُ مِيرَاثُ الْفَرَاعِنَةِ. الثَّانِي: الْعِلْمُ لَا يَنْقُصُ بِالنَّفَقَةِ وَالْمَالُ يَنْقُصُ بِهَا. الثَّالِثُ: الْمَالُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَافِظِ وَالْعِلْمُ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ. الرَّابِعُ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يَبْقَى مَالُهُ وَالْعِلْمُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ. الْخَامِسُ: الْمَالُ يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْعِلْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ. السَّادِسُ: جَمِيعُ النَّاسِ يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَالِمِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ. السَّابِعُ: الْعِلْمُ يُقَوِّي الرَّجُلَ عَلَى الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ وَالْمَالُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الرَّازِيّ.
لَطِيفَةٌ: قَالَ فِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ: الْعِلْمُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ: عَيْنٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ، الْعَيْنُ مِنْ الْعُلُوِّ، وَاللَّامُ مِنْ اللَّطَافَةِ، وَالْمِيمُ مِنْ الْمُلْكِ، فَالْعَيْنُ تَجُرُّ صَاحِبَهَا إلَى عِلِّيِّينَ، وَاللَّامُ تُصَيِّرُهُ لَطِيفًا، وَالْمِيمُ تُصَيِّرُهُ مَلِكًا عَلَى الْعِبَادِ، وَيُعْطِي اللَّهُ الْعَالِمَ بِبَرَكَةِ الْعَيْنِ الْعِزَّ، وَبِبَرَكَةِ اللَّامِ اللَّطَافَةَ، وَبِبَرَكَةِ الْمِيمِ الْمَحَبَّةَ وَالْمَهَابَةَ. وَخُيِّرَ سُلَيْمَانُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ وَالْمَالِ، فَاخْتَارَ الْعِلْمَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ الْمَالَ وَالْمُلْكَ مَعَ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (يَزْكُو) أَيْ يَزِيدُ بِالْإِنْفَاقِ أَيْ إذَا أَفَدْته بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِفْتَاءِ فَفِيهِ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ أَعْنِي صَرْفَ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنْ حَازَ الْعِلْمَ وَذَاكَرَهُ ... صَلَحَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتُهُ
فَأَدِمْ لِلْعِلْمِ مُذَاكَرَةً ... فَحَيَاةُ الْعِلْمِ مُذَاكَرَتُهُ
قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ) أَيْ نَفْسَ الْعِلْمِ أَوْ أَهْلَهُ أَوْ اسْتِمَاعَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُنْ إلَخْ) نَهَى عَنْ مَعْرِفَةِ مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ لَا يَتَّخِذُهُ صَدِيقًا، فَقَوْلُهُ وَلَا صَدَاقَةَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهُوَ تَأْسِيسٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ فَلَا تَأْخُذْ فِي أَسْبَابِ مَعْرِفَتِهِ، وَإِذَا كُنْت تَعْرِفُهُ فَاجْتَنِبْهُ وَلَا تَتَّخِذْهُ صَدِيقًا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ جَعْلِ عَطْفِ الصَّدَاقَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ تَأْكِيدًا اهـ اج قَوْلُهُ: (وَلَا صَدَاقَةَ) : عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الصَّدَاقَةُ.
قَوْلُهُ: (حَيَاةُ الْقُلُوبِ) أَيْ مُخْرِجُهَا مِنْ الْجَهْلِ الشَّبِيهِ بِالْمَوْتِ إلَى الْعِلْمِ الشَّبِيهِ بِالْحَيَاةِ وَقَوْلُهُ: (وَمِصْبَاحُ الْبَصَائِرِ) أَيْ مُنَوِّرُ الْقُلُوبِ؛ فَالْبَصَائِرُ جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَفِي كَلَامِهِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلٌ بِأَنْ شَبَّهَ الْبَصَائِرَ بِمَكَانٍ نَافِعٍ مُحْتَاجٍ إلَى النُّورِ وَأَثْبَتَ لَهُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ الْمِصْبَاحُ فَيَكُونُ تَخْيِيلًا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} [الرعد: 17] السَّيْلُ هَهُنَا الْعِلْمُ شَبَّهَهُ اللَّهُ بِالْمَاءِ لِخَمْسِ خِصَالٍ:
أَحَدُهَا كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ نَزَلَ مِنْ

اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 48
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست