responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 208
غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ) مِنْ الْأَرْضِ مَقْعَدُهُ أَيْ أَلْيَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. السَّهُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ حَلَقَةُ الدُّبُرِ وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقَظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ، فَكَيْفَ عَدَلَ عَنْهُ وَقِيلَ بِالنَّقْضِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ، كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، أَمَّا إذَا نَامَ وَهُوَ مُمَكِّنٌ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لَأَمِنَ خُرُوجَ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: " يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ رِيحٍ لَطِيفَةٍ تَصْعَدُ مِنْ الطَّعَامِ إلَى الدِّمَاغِ فَتَحْصُلُ فِيهِ بُرُودَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَالْإِغْمَاءِ كَالنَّوْمِ، لَكِنَّ رِيحَهُ أَغْلَظُ. وَلِهَذَا لَا يَنْتَبِهُ لَوْ نُبِّهَ بِخِلَافِ النَّوْمِ. وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابِ الدِّمَاغِ أَيْ فَيُغَطَّى الْقَلْبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ النَّوْمُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ فَتُغَطِّي الْقَلْبَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ بَلْ غَطَّتْ الْعَيْنَ فَقَطْ كَانَ نُعَاسًا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ فَلَوْ رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ انْتَقَضَ. اهـ.
قَوْلُهُ: (مَقْعَدُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الْمُتَمَكِّنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُمَكَّنِ فَمَقْعَدُهُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْمُتَوَضِّئِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَلْيَيْهِ يُعَيِّنُ الثَّانِيَ وَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَلْيَيْهِ مُثَنَّى أَلْيَةٍ بِالتَّاءِ لَكِنْ سُمِعَ مَحْذُوفُ التَّاءِ عِنْدَ التَّثْنِيَةِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وِكَاءُ السَّهِ) هُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَيْ الْيَقِظَةُ كَرِبَاطِ الدُّبُرِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَصْلُهُ سَتَهٌ بِوَزْنِ فَرَسٍ وَجَمْعُهُ أَسْتَاهٌ كَأَفْرَاسٍ فَحُذِفَتْ الْهَاءُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْهَمْزَةُ فَقِيلَ اسْتٌ، فَإِنْ رُدَّتْ الْهَاءُ وَهِيَ لَامُهَا وَحُذِفَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ التَّاءُ انْحَذَفَتْ الْهَمْزَةُ الَّتِي جِيءَ بِهَا عِوَضًا مِنْ الْهَاءِ، فَقِيلَ سَهْ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ السَّهَ بِفَمِ قِرْبَةٍ مَثَلًا، وَإِثْبَاتُ الْوِكَاءِ تَخْيِيلٌ وَاسْتِعْمَالُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْيَقِظَةِ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ التَّلَازُمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ انْفِتَاحِهِمَا الْيَقِظَةُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَامَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ أَوْ مَعْصُومٌ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ انْتَقَضَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فِي الْمَعْصُومِ إذَا أَخْبَرَ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ بِالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ نَاقِضٌ، نَعَمْ لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُنَا عِيسَى بَعْدَ نُزُولِهِ بِصَلَاةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ؛ لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ حِينَئِذٍ قَدْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ مَعَ النَّصِّ أَيْ: لَا اجْتِهَادَ لِغَيْرِ عِيسَى مَعَ وُجُودِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ نَصٌّ فِي الْحَقِّ اهـ. ابْنُ شَرَفٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الْبَرِّ: وَلَوْ نَامَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَقَالَ لَهُ نَبِيٌّ قُمْ فَصَلِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُ مَذْهَبِهِ، وَطَاعَتُهُ فَيُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ. وَنُوزِعُ فِيهِ فَصَمَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ لِمَنْ نَازَعَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تُحَقِّقُ نَوْمًا أَوْ رُؤْيَا، فَإِنْ احْتَمَلَ التَّمَكُّنَ لَمْ يُنْتَقَضْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا حَاصِلُ الرَّاجِحِ شَرْحُ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ نَادِرٌ) قَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَهُ نُقِضَ سم. وَقَالَ ابْنُ شَرَفٍ نَقْلًا عَنْ م ر: لَا نَقْضَ، وَإِنْ اعْتَادَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ النُّدُورَ، وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَا تَحَقَّقْنَا الطَّهَارَةَ وَشَكَّكْنَا فِي رَافِعِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّفْعِ اهـ اج. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالنُّدْرَةِ أَنَّ مَنْ تَكَرَّرَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ قُبُلِهِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ إنْ تُصَوِّرَ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ. فَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ م ر عَدَمَ النَّقْضِ بِنَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ. أَقُولُ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَامَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ لَا نَقْضَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِاعْتِيَادِ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَخَلَّفُ خُصُوصًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ إمَامُنَا فِي الْأُمِّ بِأَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ نَاقِضٌ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. اهـ.

اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 208
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست