اسم الکتاب : الإفهام في شرح عمدة الأحكام المؤلف : ابن باز الجزء : 1 صفحة : 360
الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» [1]، وفي اللفظ الآخر: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أوْشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» [2]. فكله من أعمال الجاهلية: ضرب الخدود جزعاً عند المصيبة، شق الثوب كذلك، حلق الشعر كذلك أو نتفه، الدعاء بدعوى الجاهلية من الكلام الرديء: وا ناصراه! وا كاسياه! وا عضداه، وافاجعة قلباه، وا وا ... ،
كل هذا من دعاء الجاهلية وأعمالهم، فيجب على المؤمن إذا وقعت عليه الحادثة، وهكذا المؤمنة الصبر والاحتساب وعدم الجزع، لا يشق ثوباً، ولا يلطم خداً، ولا ينتف شعراً، ولا يحلقه، ولا [يتكلم] بالكلام السيئ كلام الجاهلية، ولكن يصبر ويحتسب، ولا بأس بدمع العين، دمع العين لا يضر، وحزن القلب لا يضر، إنما المنكر هو رفع الصوت بالنياحة، أو شق الثياب، أو لطم الخدود، أو نتف الشعر وحلقه، هذا هو المنكر الذي هو من أعمال الجاهلية، ولهذا لما مات إبراهيم ابن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال - عليه الصلاة والسلام -: «الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْب يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى الرَبّ، وَإِنَّا لِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» ([3])،
فدمع العين لا يضر وحده، فلما حضر وفاة ابن لإحدى [1] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود، برقم 1297، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 103. [2] رواه مسلم، برقم 103، وتقدم تخريجه في الحديث السابق. [3] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا بك لمحزونون)، برقم 1303، ولفظه: عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ - عليه السلام -، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» .. ومسلم بنحوه، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315، ولفظه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ يَاتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدِ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمْسَكَ فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، فَقَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ».
اسم الکتاب : الإفهام في شرح عمدة الأحكام المؤلف : ابن باز الجزء : 1 صفحة : 360