اسم الکتاب : الفقه الإسلامي وأدلته المؤلف : الزحيلي، وهبة الجزء : 1 صفحة : 128
وإذا كان اتباع الأهواء محرما ً لزم تقييد الأخذ بأيسر المذاهب بوجود حالة الضرورة أو الحاجة، لأن (الضرورات تبيح المحظورات) و (الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة) والضرورة: مايترتب على عصيانها خطر. أما الحاجة: فهي مايترتب على عدم الاستجابة إليها عسر وصعوبة. والمراد بكون الحاجة عامة: أن تكون شاملة جميع الأمة، والمراد بكونها خاصة أن يكون الاحتياج لطائفة متخصصة من الأمة كأهل بلد أو حرفة، لا أن تكون فردية [1].
ولست مع الشاطبي في أن العمل بالضرورة أو الحاجة أخذ بما يوافق الهوى [2]، لأن الضرورات والحاجات تتجدد بحسب التطور. ولابد من مراعاة ضوابط الضرورة الشرعية والحاجة (وهي أن تكون قائمة لامتوقعة، ويقينية أو غالبة الظن، وملجئة أو محرجة ... إلخ) [3].
الضابط الخامس ـ أن يتقيد الأخذ بالأيسر بمبدأ الترجيح.
أي أن يكون الهدف العام أولاً هو العمل بالرأي الأقوى أو الأرجح بحسب رجحان دليله، لأن الأخذ بالأيسر نوع من الاجتهاد، والمجتهد ملزم باتباع الدليل الراجح المؤدي إلى الصواب، بحسب غلبة ظنه. لذا أوجب الأصوليون على المفتي (أي المجتهد) أن يتبع القول لدليله، فلايختار من المذاهب أضعفها دليلاً، بل يختار أقواها دليلاً؛ لأن الصحابة أجمعوا في اجتهاداتهم على وجوب العمل بالراجح من الظنين دون أضعفهما، ولأن العقل يوجب العمل بالراجح في الحوادث، والأصل اتفاق الشرع مع العقل. قال القرافي: إن الحاكم إن كان [1] المدخل الفقهي للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف 603. [2] الموافقات: 145/ 4. [3] راجع نظرية الضرورة الشرعية للدكتور وهبة الزحيلي: ص 66 ومابعدها.
اسم الکتاب : الفقه الإسلامي وأدلته المؤلف : الزحيلي، وهبة الجزء : 1 صفحة : 128