اسم الکتاب : الموسوعة الفقهية - الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 358
المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم
إذا لم يشق الصوم على المسافر، واستوى عنده الصوم والفطر، فاختلف أهل العلم في أيِّهما أفضل: الصوم أو الفطر، على قولين:
القول الأول: الصوم أفضل له [1]، وهو قول الجمهور من الحنفية [2]، والمالكية [3]، والشافعية [4].
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184]
ثانياً: من السنة:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان في يومٍ شديدِ الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعبد الله بن رواحة)). أخرجه البخاري ومسلم [5].
وجه الدلالة:
فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث صام هذا اليوم وهو مسافر [6]، وفعلُهُ عليه الصلاة والسلام هو الأفضل [7].
القول الثاني: الفطر أفضل، وهو مذهب الحنابلة [8]، وطائفةٍ من السلف [9]، وهو قول ابن تيمية [10]، وابن باز [11].
الدليل:
عموم ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حيث قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر)). أخرجه البخاري ومسلم (12) [1] وذلك لأن الصوم أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر. كما أن الصوم أسهل على المكلف غالباً؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعد ذلك، كما هو مجرَّبٌ ومعروف. ولأن الصوم عزيمةٌ والفطر رخصةٌ، ولا شك أن العزيمة أفضل. [2] ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 304). [3] ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 337)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 718). [4] ((المجموع للنووي)) (6/ 261)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 370). [5] رواه البخاري (1945)، ومسلم (1122). [6] كان هذا في السفر، كما أشار إليه ابن حجر، وقال: (وفي الحديث دليلٌ على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه ولم يصبه منه مشقةٌ شديدة) ((فتح الباري)) (4/ 182) [7] قال شهاب الدين الشلبي: ( .. فعُلِمَ أن الصوم أفضل؛ لأنه اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 333). [8] ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 204)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 311). [9] قال ابن عبد البر: (وروي عن ابن عمر وابن عباس الرخصة أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كل هؤلاء يقولون أن الفطر أفضل؛ لقول الله عز وجل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) *البقرة:185* ((التمهيد)) (2/ 171). [10] قال ابن تيمية: (والصحيح أن الفطر أفضل إلا لمصلحةٍ راجحة) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 336). [11] قال ابن باز: (الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقاً، ومن صام فلا حرج عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 237). وقال أيضا: (المسافر مخيرٌ بين الصوم والفطر، وظاهر الأدلة الشرعية أن الفطر أفضل ولا سيما إذا شق عليه الصوم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 236). وقال: (والفطر في السفر سنةٌ كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولكن إذا علم المسلم بأن فطره في السفر سيثقل عليه القضاء فيما بعد، ويكلفه في المستقبل، ويخشى أن يشق عليه فصام ملاحظةً لهذا المعنى فذلك خير) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 235 - 236).
(12) رواه البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115).
اسم الکتاب : الموسوعة الفقهية - الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 358