مكانته في عصره
إن النص؟ السابق يدل على أن الإِمام المازري برزت مكانته العلمية. منذ عهد حداثته وازدادت تلك المكانة رسوخًا مع نضجه وتقدم سنه. فإذا كان وهو ابن عشرين سنة مرجعًا للقاضي يعود إليه ولا يخرج عن رأيه. وأنه منذ حداثته يهاب الشيوخ البالغون درجة الإفتاء مناظرته. فإن ذلك يدلك على أنه كان أرفع مقامًا وأعلى شأنًا بعد ذهاب شيوخه وتفرده بالإمامة.
وهذه المنزلة التي استقرت في نفوس أهل العلم كان ينظر بها إليه أهل السلطان. فقد ذكر أثناء بيانه شرائط الجمعة وأن منها إيقاع الجمعة في المسجد. وأنها لا تقام على ظهر المسجد. قال: وقد كتب إلى سلطان يسألني عن الصلاة بمقصورة في قصره، الحائط مشترك بينها وبين الجامع. وأحب أن يصلي على أعلى الحائط المشترك مرتفعًا عن الناس محجوبًا عنهم. فأجبته بأن سر اشتراط الجامع والجماعة في الجمعة بخلاف غيرها من الصلوات أنها صلاة قصد بها المباهاة والإشادة والإعلان. ولهذا جهر بالقراءة فيها، وإن كانت صلاة نهار وجعل فيها الخطبة. فكل معنى تكمل المباهاة فيه ويزيد في بهاء الإِسلام كان أولى أن يسلك. والإخفاء والاستتار نقيض الغرض الذي أشار إليه الشرع. فلما كتبت إليه بهذا امتنع من إحداثه. وبعثه الإيثار على الاعتزال عن الناس على أن حاول أن يخرج من قصره هذه المقصورة إلى الهواء الذي يحيط به حيطان الجامع ليكون مصليًا في داخله فيرتفع ما رأيته فيما كتب به إلي. فسألني أيضًا عن هذا أيضًا فأشكل علي أمره. لمعان عرضت فمِه. فقربت له من إباحته على أنه أولى بالأجزاء من عرض الحائط لكون المصلي فيه مصليًا في داخل الجامع. وباطنه ... فهو الآن يصلي في المقصورة [1].
فهذه المحاورة تدلك على مكانته عند ذوي السلطان. وعلى صدقه مع الله فهو لم يحاب السلطان. ولم يعتمد التعلات التي يبرر بها بعضهم بأن الأولى أن نؤلف قلوب أمثال هؤلاء وأن نيسر عليهم أداء الصلاة. وذلك خير من أن [1] شرح التلقين ص 972/ 973.