المقدمة الأولى القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب بن علي بن نصر
أما بعد
فإن الله تعالت حكمته، ما خلق البشر إلا ليعبدوه، باعتبار ذلك حق الخالقية التي تفرد بها سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [1].
وعبادة الله التي ألزم بها عباده تقتضي تطويع المكلف قواه الفكرية والعضلية لتنفيذ شرعه، والوقوف عند حدود أمره ونهيه، وذلك بإخضاع داعية الهوى، وانقيادها إلى ما بيّنه لسان الوحي نصًا ومفهوماً، حتى تتحقق الطاعة المطلقة لله ولرسوله. {وما أرسلنا من رسول الله ليطاع بإذن الله} [2].
وأول مراتب الطاعة المعرفة. إذ تتوقف الاستجابة على إدراك الحكم الذي قرره الشارع. فكان كل مكلف ملزماً أن لا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
وهذه المعرفة قد يصل إليها: إما بنفسه إن كانت له المؤهلات التي تمكنه
من ذلك، وإما بسؤال من هو مؤهل =العالم= إن هو عوقه عن بلوغ مرتبة
الاستقلال في الأخذ معوق {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [3]. [1] سورة الذاريات، آية: 56. [2] سورة النساء، آية: 64. [3] سورة التوبة، آية: 122.