عن الصلاة في معاطن الإبل، ولم يختلف العلماء في كراهة الصلاة في معاطن الإبل واختلفوا في تعليل النهي عن الصلاة فيها. فقال بعض أصحابنا إنما نُهي عن ذلك لأنها يستتر بها للبول والغائط فلا تكاد تسلم مباركها من نجاسة. وقال غير هؤلاء من أصحابنا بل لأنها خلقت من الشياطين، ويحتج هؤلاء بأنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: " توضؤوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة" [1]. وقال غير هؤلاء من أصحابنا إنما نهي عن ذلك لنِفَارها فإن نفارها يمنع من إتمام الصلاة.
وقالت طائفة إنما نهي عن ذلك لزفورتها وثقل رائحتها. والشرع قد سن الصلاة للنظافة [2] والمساجد تُطيّب لأجل الصلاة. وقد جمع القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا بين جميع هذه التعاليل: فقال كرهت الصلاة في معاطن الإبل لمعان منها ما روي أنها جنّ خلقت من جنّ فلا ينبغي أن يصلي بحيث الشياطين.
ومنها أنه يستتر بها عند البراز، ومنها أن نفورها خلاف نفور البقر والغنم، ومنها أن الأغلب عليها الوسخ والزفورة والغنم والبقر بخلافها. ولما جمع القاضي أبو محمَّد بين هذه التعاليل وذكر التعليل بالنفار أشار إلى أن البقر بخلافها كما حكيناه عنه. وقد قال غيره من المتأخرين إذا علل بالنفار وجب أن تجري البقر مجراها لأن نفارها أيضًا لا يُؤمن منه. وتختلف أحكام التفريع ها هنا
لاختلاف [3] هذه التعاليل. فإذا أمِن من النجاسة لتيقن طهارة مباركها أو بُسِط فيها ثوب يصلى عليه فإن في ذلك قولين: قال ابن القاسم تأويل النهي لما يخالطها من مذاهب الناس ولو سلم من ذلك فلا بأس بالصلاة فيها. وروي عن مالك أنه لا يصلى فيها وإن لم يجد غيرها ولو بسط عليها [4] ثوبًا. فإذا عللنا بالنجاسة كان الأمر كما قاله ابن القاسم وكما علل به. وإن عللنا بكونها من [1] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان وابن الجارود. نيل الأوطار ج 1 ص 254. [2] هكذا في النسختين ولعل الصواب وقد سن للصلاة النظافة. [3] باختلاف - قث. [4] عليها = ساقطة -و-.