وأما من قال إنها صلاة العشاء فإنه اعتبر ما قدمناه بأن [1] خصيصها بالذكر يدل على أنها أقرب إلى التضييع، والإنسان قد يغلب عليه النوم في وقت صلاة العتمة في غالب الأمر فيترك الصلاة فأمر بالمحافظة عليها لأجل ذلك.
والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: اختلف الناس في الأفضل من وقت صلاة الصبح. فذهب مالك والشافعي إلى أن أول الوقت أفضل. وذهب أبو حنيفة إلى أن آخر الوقت أفضل. وحكى الطحاوي عنه أن الأفضل الجمع بين التغليس والأسفار، بأن يبدأ الصلاة في التغليس ويختمها في الأسفار.
ودليلنا على استحباب التغليس قول عائشة رضي الله عنها: كان النساء يخرجن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس [2]. وهذا فيه إثبات الفضل في التغليس لأن قولها كان، إشارة إلى المداومة على هذا الفعل. وفيه أيضًا رد ما حكاه الطحاوي من اختيار إتمام الصلاة في الأسفار لإخبارها أنهن كن ينصرفن من الصلاة في الغلس. وأيضًا فإنها إنما خصت بالأذان قبل وقتها لما كانت إقامتها في أول وقتها أفضل فقدم الأذان على الوقت لتأهب الناس للصلاة حتى يدركهم أول [3] الوقت وهم متأهبون. وأيضًا فإن الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر الناس في صلاة العشاء إذا أبطوا [4].
وأما الصبح قال الراوي: كانوا أو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس [5]. قيل معنى أو أي لم يكونوا. فأشار إلى أنه كان لا ينتظرهم في الصبح وينتظرهم في العشاء. وهذا يقتضي فضيلة أول الوقت، وأما أبو حنيفة فإنه يتعلق بقوله عليه السلام: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" [6]. وأجاب أصحابنا عن هذا بأن المراد بالأسفار ها هنا التبين، لا إسفار الشمس. وأصل هذه اللفظة التبين. ومنه قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} ومنه سفرت المرأة عن وجهها إذا أزالت [1] من أن -و -ق-. [2] أخرجه مالك والبخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها. الهداية ج 2 ص 295. [3] أول ساقطة -و-. [4] تقدم تخريجه قريبًا. [5] أخرجه أحمد عن جابر: والفجر كاسمها وكان يغلس بها. مسند أحمد ج 3 ص 303. [6] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم. الهداية ج 2 ص 292.