الفعل منه حاصلًا على كل حال فإنه يوسف به ذلك الفعل قبل وقوعه منه، كقولهم سيف قطوع وإن لم يقطع به، لما كان معنى القطع حاصلًا فيه لا محالة.
ومما يؤكد هذا المذهب أيضًا أنا نعلم أن الماء يمر على أول العضو *ثم بعد ذلك يمر على آخره وقد حصل مستعملًا في أوله ولم يمنع استعماله في أول العضو تطهير* [1] آخره وذلك يوضح أن استعماله لم يخرجه عن أصله. وإنما كره في هذا القول، لأنه مختلف في طهارته ومختلف أيضًا عند من قال بطهارته في صحة التطهر به. فأمر بالعدول عنه إلى غيره لتبرأ الذمة من العبادة على وجه متفق عليه.
ووجه القول الثاني أن استعمال الماء يخرجه عن إطلاق التسمية إلى التقييد، فيقال فيه ماء مستعمل. وذلك يخرجه من ظاهر الآية، وإذا خرج منها وجب التيمم مع وجوده. ولأنه ملك أتلف في تأدية فرض فلم يصح تأديته به مرة أخرى كرقبة أعتقت في الكفارة فإنها لا تصح أن تعتق في كفارة أخرى هذا أمثل ما وجه به هذا القول. وقد قدمنا الانفصال عن قولهم لا يسمى ماء مطلقًا. وأما قياسه على الرقة فإنه لا يصح لأن الرقبة إنما لا يصح تكرير العتق فيها لاستحالة عتق المعتق. والماء لا يستحيل فيه التطهر به مرة ثانية، فافترقا.
ووجه القول الثالث: أن المذهبين المتقدمين لما كان لكل واحد منهما وجه، وجب الاحتياط، بأن يؤخذ بهما فيتوضأ، ويتيمم ليسلم من الخلاف [2].
والجواب عن السؤال التاسع: أن يقال: إن جلب إلى الماء شيء من الأجناس التي لا تؤثر فيه، إذا كانت قرار له كالكبريت، والزرنيخ، فألقيت فيه فغيرته. فهل يؤثر ذلك في حكم الماء أم لا؟ اختلف أصحابنا في هذا الأصل.
فقال بعضهم: لا يؤثر؛ لأنه لما يؤثر في حال كونه قرارًا أصليًا [3] لم يؤثر في حال كونه طارئًا. وقال بعضهم بل يؤثر لأن الأصلي مما لا ينفك الماء منه، ولا يمكن حفظه عنه، وهذا مما يمكن حفظ الماء عنه فأثر فيه إذا كان طارئًا. [1] ما بين النجمين ساقط -ح-. [2] الاختلاف -ق-. [3] أصليًّا ساقط -ح-.