والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: الدليل على أن أصل المياه التطهير قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [1]. وقوله عليه السلام لما سئل عن بئر بضاعة: الماء طهور لا ينجسه شيء [2]. فعم سائر المياه. وقوله عليه السلام: في ماء البحر لما قيل له أفنتوضأ من ماء البحر؟ هو الطهور ماؤه الحل ميتته [3]. والمراد بالطهور ها هنا المطهر، لأنه إنما سئل عن التطهر به، فأجاب بأنه طهور. فلا بد أن يكون معنى ذلك أنه مطهر، حتى يكون الجواب مطابقًا للسؤال. وهذا الحديث وإن كان يختص بماء البحر فسائر المياه مثله في الحكم. وإذا ثبت ذلك ثبت أن أصل المياه ما ذكرناه ما لم يعرض لها ما يسلبها حكميها أو أحدهما على ما ذكر تفصيله القاضي أبو محمَّد.
والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: أما إن لم يغير المخالط سوى الرائحة فإن في ذلك قولين: أحدهما وهو المشهور من الحديث أنها تحل محل تغير اللون أو الطعم. لقوله عليه السلام: "خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه" [4]. والثاني أن ذلك لا يؤثر، لأنه لم يذكرها في بعض طرق الحديث. ولو كانت تؤثر لذكرها، كما ذكر اللون والطعم.
والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: أما الماء القليل كالجرة، وشبهها تحله النجاسة التي لا تغيره فإن فيه اختلافًا. قال بعض أصحابنا: إنه نجس. [1] سورة الأنفال، الآية: 11. [2] متفق عليه. [3] حديث بئر بضاعة. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم من طرق متعددة.
النهاية ج 1 ص 259/ 267. [4] روى البخاري في أول الباب تعليقًا: قال الزهري لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون. ووصله ابن وهب في جامعه عن يونس عن الزهري - ورواه البيهقي بالمعنى عن الأوزاعي عن الزهري فتح الباري ج 1 ص 355.
كما أخرج ابن ماجة في باب الطهارة. أن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه رقم الحديث 521.