responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 86
[فَصْلٌ الْمَعْصِيَةُ تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السَّفَلَةِ]
فَصْلٌ
الْمَعْصِيَةُ تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السَّفَلَةِ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السَّفَلَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُهَيَّئًا لِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْعِلْيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ قِسْمَيْنِ: عِلْيَةً، وَسَفَلَةً، وَجَعَلَ عِلِّيِّينَ مُسْتَقَرَّ الْعِلْيَةِ، وَأَسْفَلَ سَافِلِينَ مُسْتَقَرَّ السَّفَلَةِ، وَجَعَلَ أَهْلَ طَاعَتِهِ الْأَعْلَيْنَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَهْلَ مَعْصِيَتِهِ الْأَسْفَلِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا جَعَلَ أَهْلَ طَاعَتِهِ أَكْرَمَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَأَهْلَ مَعْصِيَتِهِ أَهْوَنَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ الْعِزَّةَ لِهَؤُلَاءِ، وَالذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ لِهَؤُلَاءِ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي»
فَكُلَّمَا عَمِلَ الْعَبْدُ مَعْصِيَةً نَزَلَ إِلَى أَسْفَلَ، دَرَجَةً، وَلَا يَزَالُ فِي نُزُولٍ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْأَسْفَلِينَ، وَكُلَّمَا عَمِلَ طَاعَةً ارْتَفَعَ بِهَا دَرَجَةً، وَلَا يَزَالُ فِي ارْتِفَاعٍ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْأَعْلَيْنَ.
وَقَدْ يَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ الصُّعُودُ مِنْ وَجْهٍ، وَالنُّزُولُ مِنْ وَجْهٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَيْسَ مَنْ صَعِدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ وَنَزَلَ دَرَجَةً وَاحِدَةً، كَمَنْ كَانَ بِالْعَكْسِ.
وَلَكِنْ يَعْرِضُ هَاهُنَا لِلنُّفُوسِ غَلَطٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَنْزِلُ نُزُولًا بَعِيدًا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلَا يَفِي صُعُودُهُ أَلْفَ دَرَجَةٍ بِهَذَا النُّزُولِ الْوَاحِدِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لِيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» .
فَأَيُّ صُعُودٍ يُوَازِنُ هَذِهِ النَّزْلَةَ؟ وَالنُّزُولُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلْإِنْسَانِ، وَلَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ نُزُولُهُ إِلَى غَفْلَةٍ، فَهَذَا مَتَى اسْتَيْقَظَ مِنْ غَفْلَتِهِ عَادَ إِلَى دَرَجَتِهِ، أَوْ إِلَى أَرْفَعَ مِنْهَا بِحَسْبَ يَقَظَتِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ نُزُولُهُ إِلَى مُبَاحٍ لَا يَنْوِي بِهِ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى الطَّاعَةِ، فَهَذَا مَتَى رَجَعَ إِلَى الطَّاعَةِ فَقَدْ يَعُودُ إِلَى دَرَجَتِهِ، وَقَدْ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا، وَقَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهَا، فَإِنَّهُ قَدْ يَعُودُ أَعْلَى هِمَّةً مِمَّا كَانَ، وَقَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ هِمَّةً، وَقَدْ تَعُودُ هِمَّتُهُ كَمَا كَانَتْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ نُزُولُهُ إِلَى مَعْصِيَةٍ، إِمَّا صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، فَهَذَا يَحْتَاجُ فِي عَوْدِهِ إِلَى دَرَجَتِهِ إِلَى تَوْبَةٍ نَصُوحٍ، وَإِنَابَةٍ صَادِقَةٍ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَى دَرَجَتِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 86
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست