responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 38
لِيُعَاقِبَهُ أَشَدَّ عُقُوبَةٍ، أَوْ يُكْرِمَهُ أَتَمَّ كَرَامَةٍ، وَيَبِيتُ سَاهِيًا غَافِلًا لَا يَتَذَكَّرُ مَوْقِفَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ، وَلَا يَسْتَعِدُّ لَهُ، وَلَا يَأْخُذُ لَهُ أُهْبَتَهُ.
قِيلَ: هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ سُؤَالٌ صَحِيحٌ وَارِدٌ عَلَى أَكْثَرِ هَذَا الْخَلْقِ، فَاجْتِمَاعُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا التَّخَلُّفُ لَهُ عِدَّةُ أَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: ضَعْفُ الْعِلْمِ، وَنُقْصَانُ الْيَقِينِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَفَاوَتُ، فَقَوْلُهُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ وَأَبْطَلِهَا.
وَقَدْ سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى عِيَانًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِقُدْرَةِ الرَّبِّ عَلَى ذَلِكَ، لِيَزْدَادَ طُمَأْنِينَةً، وَيَصِيرَ الْمَعْلُومُ غَيْبًا شَهَادَةً.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» .
فَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَى ضَعْفِ الْعِلْمِ عَدَمُ اسْتِحْضَارِهِ، أَوْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْقَلْبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِ أَوْ أَكْثَرِهَا لِاشْتِغَالِهِ بِمَا يُضَادُّهُ، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ تَقَاضِي الطَّبْعِ، وَغَلَبَاتُ الْهَوَى، وَاسْتِيلَاءُ الشَّهْوَةِ، وَتَسْوِيلُ النَّفْسِ، وَغُرُورُ الشَّيْطَانِ، وَاسْتِبْطَاءُ الْوَعْدِ، وَطُولُ الْأَمَلِ، وَرَقْدَةُ الْغَفْلَةِ، وَحُبُّ الْعَاجِلَةِ، وَرُخَصُ التَّأْوِيلِ وَإِلْفُ الْعَوَائِدِ، فَهُنَاكَ لَا يُمْسِكُ الْإِيمَانَ إِلَّا الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، وَبِهَذَا السَّبَبِ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْقَلْبِ.
وَجِمَاعُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَرْجِعُ إِلَى ضَعْفِ الْبَصِيرَةِ وَالصَّبْرِ، وَلِهَذَا مَدَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَهُمْ أَئِمَّةً فِي الدِّينِ، فَقَالَ تَعَالَى: {مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السَّجْدَةِ: 24]

[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ]
فَصْلٌ
الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ
وَقَدْ تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ، وَأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ إِنْ حَمَلَ عَلَى الْعَمَلِ، وَحَثَّ عَلَيْهِ، وَسَاقَ إِلَيْهِ، فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ دَعَا إِلَى الْبِطَالَةِ وَالِانْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي فَهُوَ غُرُورٌ، وَحُسْنُ الظَّنِّ هُوَ الرَّجَاءُ، فَمَنْ كَانَ رَجَاؤُهُ هَادِيًا لَهُ إِلَى الطَّاعَةِ، زَاجِرًا لَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَهُوَ رَجَاءٌ صَحِيحٌ، وَمَنْ كَانَتْ بِطَالَتُهُ رَجَاءً، وَرَجَاؤُهُ بِطَالَةً وَتَفْرِيطًا، فَهُوَ الْمَغْرُورُ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ مِنْ مَغْلِهَا مَا يَنْفَعُهُ فَأَهْمَلَهَا وَلَمْ يَبْذُرْهَا

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 38
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست