responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 234
وَبَارِئِهِ وَإِلَهِهِ الْحَقِّ أَعْظَمُ مِنْ فَسَادِ الْبَدَنِ إِذَا خَلَا مِنْهُ الرُّوحُ، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يُصَدِّقُ بِهِ إِلَّا مَنْ فِيهِ حَيَاةٌ،
وَمَا لِجُرْحِ مَيِّتٍ إِيلَامُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ أَعْظَمَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا هُوَ السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى أَعْظَمِ لَذَّةٍ فِي الْآخِرَةِ، وَلَذَّاتُ الدُّنْيَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
فَأَعْظَمُهَا وَأَكْمَلُهَا: مَا أَوْصَلَ لَذَّةَ الْآخِرَةِ، وَيُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذِهِ اللَّذَّةِ أَتَمَّ ثَوَابٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يُثَابُ عَلَى مَا يَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، مِنْ أَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ، وَلِبَاسِهِ، وَنِكَاحِهِ، وَشِفَاءِ غَيْظِهِ بِقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّهِ، فَكَيْفَ بِلَذَّةِ إِيمَانِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَشَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ، وَطَمَعِهِ فِي رُؤْيَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ؟
النَّوْعُ الثَّانِي: لَذَّةٌ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْآخِرَةِ، وَتُعْقِبُ آلَامًا أَعْظَمَ مِنْهَا، كَلَذَّةِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَيَسْتَمْتِعُونَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا لَقُوا رَبَّهُمْ:
{رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 128 - 129] .
وَلَذَّةُ أَصْحَابِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَالْعُلُوِّ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
وَهَذِهِ اللَّذَّاتُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِيُذِيقَهُمْ بِهَا أَعْظَمَ الْآلَامِ، وَيَحْرِمَهُمْ بِهَا أَكْمَلَ اللَّذَّاتِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا لَذِيذًا مَسْمُومًا؛ يَسْتَدْرِجُهُ بِهِ إِلَى هَلَاكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ - وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 182 - 183] .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثْنَا لَهُمْ نِعْمَةً: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ - فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 44 - 45] .
وَقَالَ تَعَالَى لِأَصْحَابِ هَذِهِ اللَّذَّةِ:
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ - نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 55 - 56] .

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 234
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست