responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 231
بِوَلَدِهَا، وَأَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ التَّائِبِ مِنَ الْفَاقِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ إِذَا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ ثُمَّ وَجَدَهَا.
وَهُوَ الْمَلِكُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْفَرْدُ فَلَا نِدَّ لَهُ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لَنْ يُطَاعَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَنْ يُعْصَى إِلَّا بِعِلْمِهِ، يُطَاعُ فَيَشْكُرُ، وَبِتَوْفِيقِهِ وَنِعْمَتِهِ أُطِيعَ، وَيُعْصَى فَيَغْفِرُ وَيَعْفُو، وَحَقُّهُ أُضِيعَ، فَهُوَ أَقْرَبُ شَهِيدٍ، وَأَجَلُّ حَفِيظٍ، وَأَوْفَى بِالْعَهْدِ، وَأَعْدَلُ قَائِمٍ بِالْقِسْطِ، حَالَ دُونَ النُّفُوسِ، وَأَخَذَ بِالنَّوَاصِي وَكَتَبَ الْآثَارَ، وَنَسَخَ الْآجَالَ، فَالْقُلُوبُ لَهُ مُفْضِيَةٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، وَالْغَيْبُ لَدَيْهِ مَكْشُوفٌ، وَكُلُّ أَحَدٍ إِلَيْهِ مَلْهُوفٌ، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِنُورِ وَجْهِهِ، وَعَجَزَتِ الْقُلُوبُ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهِ، وَدَلَّتِ الْفِطَرُ وَالْأَدِلَّةُ كُلُّهَا عَلَى امْتِنَاعِ مِثْلِهِ وَشِبْهِهِ، أَشْرَقَتْ لِنُورِ وَجْهِهِ الظُّلُمَاتُ، وَاسْتَنَارَتْ لَهُ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَصَلُحَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، وَلَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ:
مَا اعْتَاضَ بَاذِلُ حُبِّهِ لِسِوَاهُ مِنْ ... عِوَضٍ وَلَوْ مَلَكَ الْوُجُودَ بِأَسْرِهِ

[فَصْلٌ كَمَالُ اللَّذَّةِ فِي كَمَالِ الْمَحْبُوبِ وَكَمَالِ الْمَحَبَّةِ]
فَصْلٌ
كَمَالُ اللَّذَّةِ فِي كَمَالِ الْمَحْبُوبِ وَكَمَالِ الْمَحَبَّةِ
وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى اللَّبِيبِ الِاعْتِنَاءُ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ كَمَالَ اللَّذَّةِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ وَابْتِهَاجِ الرُّوحِ تَابِعٌ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَمَالُ الْمَحْبُوبِ فِي نَفْسِهِ وَجَمَالِهِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِإِيثَارِ الْمَحَبَّةِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: كَمَالُ مَحَبَّتِهِ، وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي حُبِّهِ، وَإِيثَارُ قُرْبِهِ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّذَّةَ بِحُصُولِ الْمَحْبُوبِ بِحَسَبِ قُوَّةِ مَحَبَّتِهِ، فَكُلَّمَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ أَقْوَى كَانَتْ لَذَّةُ الْمُحِبِّ أَكْمَلَ، فَلَذَّةُ الْعَبْدِ مَنِ اشْتَدَّ ظَمَؤُهُ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ الزُّلَالِ، وَمَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ بِأَكْلِ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ شَوْقِهِ وَشَدَّةِ إِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَاللَّذَّةُ وَالسُّرُورُ وَالْفَرَحُ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ مَقْصُودُ كُلِّ حَيٍّ وَعَاقِلٍ، إِذَا كَانَتِ اللَّذَّةُ مَطْلُوبَةً لِنَفْسِهَا فَهِيَ تُذَمُّ إِذَا أَعْقَبَتْ أَلَمًا أَعْظَمَ مِنْهَا، أَوْ مَنَعَتْ لَذَّةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَجَّلَ، فَكَيْفَ إِذَا أَعْقَبَتْ أَعْظَمَ الْحَسَرَاتِ، وَفَوَّتَتْ أَعْظَمَ اللَّذَّاتِ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست