responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 204
وَأَمَّا فِي الْمُغَالَبَةِ فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِعَلَى كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 34] .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إِنَّ آلِهَتَهُمْ تُغَالِبُهُ وَتَطْلُبُ الْعُلُوَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ آلِهَتَهُمْ تَبْتَغِي التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ وَتُقَرِّبُهُمْ زُلْفَى إِلَيْهِ، فَقَالُوا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ لَكَانَتْ تِلْكَ الْآلِهَةُ عَبِيدًا لَهُ، فَلِمَاذَا تَعْبُدُونَ عَبِيدَهُ مِنْ دُونِهِ؟

[فَصْلٌ آثَارُ الْمَحَبَّةِ]
فَصْلٌ
آثَارُ الْمَحَبَّةِ
وَالْمَحَبَّةُ لَهَا آثَارٌ وَتَوَابِعُ وَلَوَازِمُ وَأَحْكَامٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْمُودَةً أَوْ مَذْمُومَةً، نَافِعَةً أَوْ ضَارَّةً، مِنَ الْوَجْدِ وَالذَّوْقِ وَالْحَلَاوَةِ، وَالشَّوْقِ وَالْأُنْسِ، وَالِاتِّصَالِ بِالْمَحْبُوبِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، وَالِانْفِصَالِ عَنْهُ وَالْبُعْدِ عَنْهُ، وَالصَّدِّ وَالْهُجْرَانِ، وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا وَلَوَازِمِهَا.
وَالْمَحَبَّةُ الْمَحْمُودَةُ: هِيَ الْمَحَبَّةُ النَّافِعَةُ الَّتِي تَجْلِبُ لِصَاحِبِهَا مَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ، وَالضَّارَّةُ: هِيَ الَّتِي تَجْلِبُ لِصَاحِبِهَا مَا يَضُرُّهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهِيَ عُنْوَانُ الشَّقَاوَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَّ الْعَاقِلَ لَا يَخْتَارُ مَحَبَّةَ مَا يَضُرُّهُ وَيُشْقِيهِ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ ذَلِكَ عَنْ جَهْلٍ وَظُلْمٍ، فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ تَهْوَى مَا يَضُرُّهَا وَلَا يَنْفَعُهَا، وَذَلِكَ مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، إِمَّا بِأَنْ تَكُونَ جَاهِلَةً بِحَالِ مَحْبُوبِهَا بِأَنْ تَهْوَى الشَّيْءَ وَتُحِبَّهُ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِمَا فِي مَحَبَّتِهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ، وَهَذَا حَالُ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِمَّا عَالِمَةً بِمَا فِي مَحَبَّتِهِ مِنَ الضَّرَرِ لَكِنْ تُؤْثِرُ هَوَاهَا عَلَى عِلْمِهَا، وَقَدْ تَتَرَكَّبُ مَحَبَّتُهَا عَلَى أَمْرَيْنِ: اعْتِقَادٍ فَاسِدٍ، وَهُوَ مَذْمُومٌ، وَهَذَا حَالُ مَنِ اتَّبَعَ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، فَلَا تَقَعُ الْمَحَبَّةُ الْفَاسِدَةُ إِلَّا مِنْ جَهْلٍ أَوِ اعْتِقَادٍ فَاسِدٍ أَوْ هَوًى غَالِبٍ، أَوْ مَا تَرَكَّبَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَانَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَتَنْفُقُ شُبْهَةً وَشَهْوَةً، شُبْهَةً يَشْتَبِهُ بِهَا الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَتُزَيِّنُ لَهُ أَمْرَ الْمَحْبُوبِ، وَشَهْوَةً تَدْعُوهُ إِلَى حُصُولِهِ، فَيَتَسَاعَدُ جَيْشُ الشُّبْهَةِ وَالشَّهْوَةِ عَلَى جَيْشِ الْعَقْلِ وَالْإِيمَانِ، وَالْغَلَبَةُ لِأَقْوَاهُمَا.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَوَابِعُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَبَّةِ لَهُ حُكْمُ مَتْبُوعِهِ، فَالْمَحَبَّةُ النَّافِعَةُ الْمَحْمُودَةُ الَّتِي هِيَ عُنْوَانُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ وَتَوَابِعُهَا كُلُّهَا نَافِعَةٌ لَهُ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَتْبُوعِهَا، فَإِنْ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 204
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست