responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 159
قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: الْقُلُوبُ كَالْقُدُورِ تَغْلِي بِمَا فِيهَا، وَأَلْسِنَتُهَا مَغَارِفُهَا، فَانْظُرْ إِلَى الرَّجُلِ حِينَ يَتَكَلَّمُ فَإِنَّ لِسَانَهُ يَغْتَرِفُ لَكَ بِمَا فِي قَلْبِهِ، حُلْوٌ وَحَامِضٌ، وَعَذْبٌ وَأُجَاجٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ لَكَ طَعْمَ قَلْبِهِ اغْتِرَافُ لِسَانِهِ، أَيْ كَمَا تَطْعَمُ بِلِسَانِكَ طَعْمَ مَا فِي الْقُدُورِ مِنَ الطَّعَامِ فَتُدْرِكُ الْعِلْمَ بِحَقِيقَتِهِ، كَذَلِكَ تَطْعَمُ مَا فِي قَلْبِ الرَّجُلِ مِنْ لِسَانِهِ، فَتَذُوقُ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ لِسَانِهِ، كَمَا تَذُوقُ مَا فِي الْقِدْرِ بِلِسَانِكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» .
«وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ «سَأَلَ مُعَاذٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُهُ مِنَ النَّارِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسِهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقَالَ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَهُونُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالظُّلْمِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنَ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ مِنْ حَرَكَةِ لِسَانِهِ، حَتَّى تَرَى الرَّجُلَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالدِّينِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَاتِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَنْزِلُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَمْ تَرَى مِنْ رَجُلٍ مُتَوَرِّعٍ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، وَلِسَانُهُ يَفْرِي فِي أَعْرَاضِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَلَا يُبَالِي مَا يَقُولُ.
وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَانْظُرْ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ؟ قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» فَهَذَا الْعَابِدُ الَّذِي قَدْ عَبَدَ اللَّهَ مَا شَاءَ أَنْ يَعْبُدَهُ، أَحْبَطَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ عَمَلَهُ كُلَّهُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 159
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست