responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 154
وَمِنَ الْعَجَبِ: أَنَّ لَحْظَةَ النَّاظِرِ سَهْمٌ لَا يَصِلُ إِلَى الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَكَانًا مِنْ قَلْبِ النَّاظِرِ، وَلِي مِنْ قَصِيدَةٍ:
يَا رَامِيًا بِسِهَامِ اللَّحْظِ مُجْتَهِدًا ... أَنْتَ الْقَتِيلُ بِمَا تَرْمِي فَلَا تُصِبِ
يَا بَاعِثَ الطَّرْفِ يَرْتَادُ الشِّفَاءَ لَهُ ... احْبِسْ رَسُولَكَ لَا يَأْتِيكَ بِالْعَطَبِ
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ النَّظْرَةَ تَجْرَحُ الْقَلْبَ جُرْحًا، فَيَتْبَعُهَا جُرْحٌ عَلَى جُرْحٍ، ثُمَّ لَا يَمْنَعُهُ أَلَمُ الْجِرَاحَةِ مِنِ اسْتِدْعَاءِ تَكْرَارِهَا، وَلِي أَيْضًا فِي هَذَا الْمَعْنَى:
مَا زِلْتَ تُتْبِعُ نَظْرَةً فِي نَظْرَةٍ ... فِي إِثْرِ كُلِّ مَلِيحَةٍ وَمَلِيحِ
وَتَظُنُّ ذَاكَ دَوَاءَ جُرْحِكَ وَهُوَ فِي الْ ... تَحْقِيقِ تَجْرِيحٌ عَلَى تَجْرِيحِ
فَذَبَحْتَ طَرْفَكَ بِاللِّحَاظِ وَبِالْبُكَا ... فَالْقَلْبُ مِنْكَ ذَبِيحٌ أَيُّ ذَبِيحِ
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ حَبْسَ اللَّحَظَاتِ أَيْسَرُ مِنْ دَوَامِ الْحَسَرَاتِ.

[فَصْلٌ الْخَطْرَةُ]
وَأَمَّا الْخَطَرَاتُ: فَشَأْنُهَا أَصْعَبُ، فَإِنَّهَا مَبْدَأُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنْهَا تَتَوَلَّدُ الْإِرَادَاتُ وَالْهِمَمُ وَالْعَزَائِمُ، فَمَنْ رَاعَى خَطَرَاتِهِ مَلَكَ زِمَامَ نَفْسِهِ وَقَهَرَ هَوَاهُ، وَمَنْ غَلَبَتْهُ خَطَرَاتُهُ فَهَوَاهُ وَنَفْسُهُ لَهُ أَغْلَبُ، وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْخَطَرَاتِ قَادَتْهُ قَهْرًا إِلَى الْهَلَكَاتِ، وَلَا تَزَالُ الْخَطَرَاتُ تَتَرَدَّدُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى تَصِيرَ مُنًى بَاطِلَةً.
{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سُورَةُ النُّورِ: 39] .
وَأَخَسُّ النَّاسِ هِمَّةً وَأَوْضَعُهُمْ نَفْسًا، مَنْ رَضِيَ مِنَ الْحَقَائِقِ بِالْأَمَانِي الْكَاذِبَةِ، وَاسْتَجْلَبَهَا لِنَفْسِهِ وَتَجَلَّى بِهَا، وَهِيَ لَعَمْرُ اللَّهِ رُءُوسُ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِينَ، وَمَتَاجِرُ الْبَطَّالِينَ، وَهِيَ قُوتُ النَّفْسِ الْفَارِغَةِ، الَّتِي قَدْ قَنَعَتْ مِنَ الْوَصْلِ بِزَوْرَةِ الْخَيَالِ، وَمِنَ الْحَقَائِقِ بِكَوَاذِبِ الْآمَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَمَانِيَّ مِنْ سُعْدَى رِوَاءٌ عَلَى الظَّمَا ... سَقَتْنَا بِهَا سُعْدَى عَلَى ظَمَأٍ بَرْدَا
مُنًى إِنْ تَكُنْ حَقًّا تَكُنْ أَحْسَنَ الْمُنَى ... وَإِلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغْدَا
وَهِيَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْعَجْزُ وَالْكَسَلُ، وَتُوَلِّدُ التَّفْرِيطَ وَالْحَسْرَةَ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست