responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 136
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ انْفَتَحَ لَكَ بَابُ الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ، فَنَقُولُ، وَمِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ نَسْتَمِدُّ الصَّوَابَ:
حَقِيقَةُ الشِّرْكِ: هُوَ التَّشَبُّهُ بِالْخَالِقِ وَتَشْبِيهُ الْمَخْلُوقِ بِهِ، هَذَا هُوَ التَّشْبِيهُ فِي الْحَقِيقَةِ، لَا إِثْبَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَعَكَسَ الْأَمْرَ مَنْ نَكَسَ اللَّهُ قَلَبَهُ وَأَعْمَى بَصِيرَتَهُ وَأَرْكَسَهُ بِكَسْبِهِ، وَجَعَلَ التَّوْحِيدَ تَشْبِيهًا وَالتَّشْبِيهَ تَعْظِيمًا وَطَاعَةً، فَالْمُشْرِكُ مُشَبِّهٌ لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ فِي خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ.
فَإِنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ التَّفَرُّدَ بِمِلْكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَعْلِيقَ الدُّعَاءِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَكُّلِ بِهِ وَحْدَهُ، فَمَنْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَخْلُوقٍ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالْخَالِقِ وَجَعَلَ مَنْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ - شَبِيهًا بِمَنْ لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، فَأَزِمَّةُ الْأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدَيْهِ، وَمَرْجِعُهَا إِلَيْهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، بَلْ إِذَا فَتَحَ لِعَبْدِهِ بَابَ رَحْمَتِهِ لَمْ يُمْسِكْهَا أَحَدٌ، وَإِنْ أَمْسَكَهَا عَنْهُ لَمْ يُرْسِلْهَا إِلَيْهِ أَحَدٌ.
فَمِنْ أَقْبَحِ التَّشْبِيهِ: تَشْبِيهُ هَذَا الْعَاجِزِ الْفَقِيرِ بِالذَّاتِ بِالْقَادِرِ الْغَنِيِّ بِالذَّاتِ.
وَمِنْ خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ: الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ الَّذِي لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ كُلُّهَا لَهُ وَحْدَهُ، وَالتَّعْظِيمُ وَالْإِجْلَالُ وَالْخَشْيَةُ وَالدُّعَاءُ وَالرَّجَاءُ وَالْإِنَابَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالتَّوَكُّلُ وَالِاسْتِعَانَةُ، وَغَايَةُ الذُّلِّ مَعَ غَايَةِ الْحُبِّ - كُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَفِطْرَةً أَنْ يَكُونَ لَهُ وَحْدَهُ، وَيَمْتَنِعُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَفِطْرَةً أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ، فَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَقَدْ شَبَّهَ ذَلِكَ الْغَيْرَ بِمَنْ لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ وَلَا نِدَّ لَهُ، وَذَلِكَ أَقْبَحُ التَّشْبِيهِ وَأَبْطَلُهُ، وَلِشِدَّةِ قُبْحِهِ وَتَضَمُّنِهِ غَايَةَ الظُّلْمِ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
وَمِنْ خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ: الْعُبُودِيَّةُ الَّتِي قَامَتْ عَلَى سَاقَيْنِ لَا قِوَامَ لَهَا بِدُونِهِمَا: غَايَةِ الْحُبِّ، مَعَ غَايَةِ الذُّلِّ. هَذَا تَمَامُ الْعُبُودِيَّةِ، وَتَفَاوُتُ مَنَازِلِ الْخَلْقِ فِيهَا بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ.
فَمَنْ أَعْطَى حُبَّهُ وَذُلَّهُ وَخُضُوعَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِهِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَهَذَا مِنَ الْمُحَالِ أَنْ تَجِيءَ بِهِ شَرِيعَةٌ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَقُبْحُهُ مُسْتَقِرٌّ فِي كُلِّ فِطْرَةٍ وَعَقْلٍ، وَلَكِنْ غَيَّرَتِ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 136
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست