responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 110
الْمُحْصَنُ، أَوْ قَطْرَةِ خَمْرٍ يُدْخِلُهَا جَوْفَهُ، وَقَتَلَ بِالْحِجَارَةِ أَشْنَعَ قِتْلَةٍ فِي إِيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجٍ حَرَامٍ، وَخَفَّفَ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ عَمَّنْ لَمْ تَتِمَّ عَلَيْهِ نِعْمَةُ الْإِحْصَانِ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ، وَيُنْفَى سَنَةً عَنْ وَطَنِهِ وَبَلَدِهِ إِلَى بَلَدِ الْغُرْبَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ رَأْسِ الْعَبْدِ وَبَدَنِهِ إِذَا وَقَعَ عَلَى ذَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ، أَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ وَطِئَ ذَكَرًا مِثْلَهُ وَقَتْلِ الْمَفْعُولَ بِهِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً وَقَتْلِ الْبَهِيمَةَ مَعَهُ، وَعَزَمَ عَلَى تَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي رَتَّبَهَا اللَّهُ عَلَى الْجَرَائِمِ، وَجَعَلَهَا بِحِكْمَتِهِ عَلَى حَسَبِ الدَّوَاعِي إِلَى تِلْكَ الْجَرَائِمِ، وَحَسَبِ الْوَازِعِ عَنْهَا.
فَمَا كَانَ الْوَازِعُ عَنْهُ طَبِيعِيًّا وَمَا لَيْسَ فِي الطِّبَاعِ دَاعٍ إِلَيْهِ اكْتُفِيَ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ التَّعْزِيرِ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا، كَأَكْلِ الرَّجِيعِ، وَشُرْبِ الدَّمِ، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ.
وَمَا كَانَ فِي الطِّبَاعِ دَاعٍ إِلَيْهِ رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِقَدْرِ مَفْسَدَتِهِ، وَبِقَدْرِ دَاعِي الطَّبْعِ إِلَيْهِ.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ دَاعِي الطِّبَاعِ إِلَى الزِّنَا مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي كَانَتْ عُقُوبَتُهُ الْعُظْمَى مِنْ أَشْنَعِ الْقِتْلَاتِ وَأَعْظَمِهَا، وَعُقُوبَتُهُ السَّهْلَةُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجَلْدِ مَعَ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ.
وَلَمَّا كَانَتْ جَرِيمَةُ اللِّوَاطِ فِيهَا الْأَمْرَانِ، كَانَ حَدَّهُ الْقَتْلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَمَّا كَانَ دَاعِي السَّرِقَةِ قَوِيًّا وَمَفْسَدَتُهَا كَذَلِكَ، قَطَعَ فِيهَا الْيَدَ.
وَتَأَمَّلْ حِكْمَتَهُ فِي إِفْسَادِ الْعُضْوِ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْجِنَايَةَ، كَمَا أَفْسَدَ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ يَدَهُ وَرِجْلَهُ اللَّتَيْنِ هُمَا آلَةُ قَطْعِهِ، وَلَمْ يُفْسِدْ عَلَى الْقَاذِفِ لِسَانَهُ الَّذِي جَنَى بِهِ، إِذْ مَفْسَدَتُهُ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَبْلُغُهَا، فَاكْتَفَى مِنْ ذَلِكَ بِإِيلَامِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالْجَلْدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَفْسَدَ عَلَى الزَّانِي فَرْجَهُ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ.
قِيلَ: لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَفْسَدَةَ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ، إِذْ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَتَعْرِيضُهُ لِلْهَلَاكِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْفَرْجَ عُضْوٌ مَسْتُورٌ، لَا يَحْصُلُ بِقَطْعِهِ مَقْصُودُ الْحَدِّ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْجُنَاةِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ يَدَهُ أَبْقَى لَهُ يَدًا أُخْرَى تُعَوِّضُ عَنْهَا، بِخِلَافِ الْفَرْجِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ لَذَّةَ الزِّنَا عَمَّتْ جَمِيعَ الْبَدَنِ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ تَعُمَّ الْعُقُوبَةُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِبُضْعَةٍ مِنْهُ.

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 110
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست