responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 107
ضَرَرًا لَهُ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَصَى اللَّهَ تَبَاعَدَ مِنْهُ الْمَلَكُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، حَتَّى إِنَّهُ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ بِالْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ مَسَافَةً بَعِيدَةً.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ مِنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتَنِ رِيحِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا تَبَاعُدَ الْمَلَكِ مِنْهُ مِنْ كِذْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَاذَا يَكُونُ مِقْدَارُ بُعْدِهِ مِنْهُ مِمَّا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَفْحَشُ مِنْهُ؟
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا رُكِبَ الذَّكَرُ عَجَّتِ الْأَرْضُ إِلَى اللَّهِ وَهَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى رَبِّهَا، وَشَكَتْ إِلَيْهِ عَظِيمَ مَا رَأَتْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ابْتَدَرَهُ الْمَلَكُ وَالشَّيْطَانُ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَحَمِدَهُ وَهَلَّلَهُ، طُرِدَ الشَّيْطَانُ وَتَوَلَّاهُ الْمَلَكُ، وَإِنِ افْتَتَحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْمَلَكُ عَنْهُ وَتَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ.
وَلَا يَزَالُ الْمَلَكُ يَقْرُبُ مِنَ الْعَبْدِ حَتَّى يَصِيرَ الْحُكْمُ وَالطَّاعَةُ وَالْغَلَبَةُ لَهُ، فَتَتَوَلَّاهُ الْمَلَائِكَةُ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ وَعِنْدَ بَعْثِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 30 - 31] .
وَإِذَا تَوَلَّاهُ الْمَلَكُ تَوَلَّاهُ أَنْصَحُ الْخَلْقِ وَأَنْفَعُهُمْ وَأَبَرُّهُمْ، فَثَبَّتَهُ وَعَلَّمَهُ، وَقَوَّى جَنَانَهُ، وَأَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 12] .
فَيَقُولُ الْمَلَكُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ وَأَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، وَيُثَبِّتُهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْقَبْرِ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ.
فَلَيْسَ أَحَدٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ مِنْ صُحْبَةِ الْمَلَكِ لَهُ، وَهُوَ وَلِيُّهُ فِي يَقَظَتِهِ وَمَنَامِهِ، وَحَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي قَبْرِهِ، وَمُؤْنِسُهُ فِي وَحْشَتِهِ، وَصَاحِبُهُ فِي خَلْوَتِهِ، وَمُحَدِّثُهُ فِي سِرِّهِ، وَيُحَارِبُ عَنْهُ عَدُوَّهُ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَيَعِدُهُ بِالْخَيْرِ وَيُبَشِّرُهُ بِهِ، وَيُحِثُّهُ عَلَى التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ الَّذِي يُرْوَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: «إِنَّ لِلْمَلَكِ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ: إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْوَعْدِ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ: إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ» .
وَإِذَا اشْتَدَّ قُرْبُ الْمَلَكِ مِنَ الْعَبْدِ تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، وَأَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ الْقَوْلَ السَّدِيدَ، وَإِذَا بَعُدَ مِنْهُ وَقَرُبَ الشَّيْطَانُ، تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ قَوْلَ الزُّورِ وَالْفُحْشِ، حَتَّى يُرَى الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ الْمَلَكُ وَالرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ الشَّيْطَانُ

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 107
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست