responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 100
تَعَالَى وَاسْتِغْفَارِهِ، وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ، وَنَصِيحَةِ عِبَادِهِ، وَالتَّكَلُّمِ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَيَكُونُ لَكُمْ فِي هَذَا الثَّغْرِ أَمْرَانِ عَظِيمَانِ، لَا تُبَالُونَ بِأَيِّهِمَا ظَفِرْتُمْ:
أَحَدُهُمَا: التَّكَلُّمُ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّمَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، وَمِنْ أَكْبَرِ جُنْدِكِمْ وَأَعْوَانِكِمْ.
الثَّانِي: السُّكُوتُ عَنِ الْحَقِّ، فَإِنَّ السَّاكِتَ عَنِ الْحَقِّ أَخٌ لَكُمْ أَخْرَسُ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَخٌ نَاطِقٌ، وَرُبَّمَا كَانَ الْأَخُ الثَّانِي أَنْفَعَ أَخَوَيْكُمْ لَكُمْ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ النَّاصِحِ: الْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ، وَالسَّاكِتُ عَنِ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ؟
فَالرِّبَاطَ الرِّبَاطَ عَلَى هَذَا الثَّغْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ أَوْ يُمْسِكَ عَنْ بَاطِلٍ، وَزَيِّنُوا لَهُ التَّكَلُّمَ بِالْبَاطِلِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَخَوِّفُوهُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ بِكُلِّ طَرِيقٍ.
وَاعْلَمُوا يَا بَنِيَّ أَنَّ ثَغْرَ اللِّسَانِ هُوَ الَّذِي أُهْلِكُ مِنْهُ بَنِي آدَمَ، وَأَكُبُّهُمْ مِنْهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ، فَكَمْ لِي مِنْ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَجَرِيحٍ أَخَذْتُهُ مِنْ هَذَا الثَّغْرِ؟
وَأُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظُوهَا: لِيَنْطِقْ أَحَدُكُمْ عَلَى لِسَانِ أَخِيهِ مِنَ الْإِنْسِ بِالْكَلِمَةِ، وَيَكُونُ الْآخَرُ عَلَى لِسَانِ السَّامِعِ فَيَنْطِقُ بِاسْتِحْسَانِهَا وَتَعْظِيمِهَا وَالتَّعَجُّبِ مِنْهَا وَيَطْلُبُ مِنْ أَخِيهِ إِعَادَتَهَا، وَكُونُوا أَعْوَانًا عَلَى الْإِنْسِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَسَمِي الَّذِي أَقْسَمْتُ بِهِ لِرَبِّهِمْ حَيْثُ قُلْتُ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ 16 - 17] .
أَوَمَا تَرَوْنِي قَدْ قَعَدْتُ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا، فَلَا يَفُوتُنِي مِنْ طَرِيقٍ إِلَّا قَعَدْتُ لَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِهِ، حَتَّى أُصِيبَ مِنْهُ حَاجَتِي أَوْ بَعْضَهَا؟ وَقَدْ حَذَّرَهُمْ ذَلِكَ رَسُولُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا، وَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ فَخَالَفَهُ وَأَسْلَمَ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ فَخَالَفَهُ وَهَاجَرَ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَتُجَاهِدُ فَتُقْتَلَ فَيُقَسَّمَ الْمَالُ وَتُنْكَحَ الزَّوْجَةُ؟»
فَكَهَذَا فَاقْعُدُوا لَهُمْ بِكُلِّ طُرُقِ الْخَيْرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَاقْعُدُوا لَهُ عَلَى طَرِيقِ الصَّدَقَةِ، وَقُولُوا لَهُ فِي نَفْسِهِ: أَتُخْرِجُ الْمَالَ فَتَبْقَى مِثْلَ هَذَا السَّائِلِ وَتَصِيرَ بِمَنْزِلَتِهِ أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ؟ أَوَمَا سَمِعْتُمْ مَا أَلْقَيْتُ عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ سَأَلَهُ آخَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، قَالَ: هِيَ أَمْوَالُنَا إِذَا أَعْطَيْنَاكُمُوهَا صِرْنَا مِثْلَكُمْ.

اسم الکتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست