اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 95
ولهذا كان من أصول أهل السُّنَّة والجماعة لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمَّة [1]، وترك القتال في الفتنة" [2]، "ولأنَّه يترتَّب على الخُرُوج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جَوْرهم، بل في الصَّبْر على جَوْرهم تكفير السَّيئات ومُضاعفة الأُجور" [3].
يقول الإمام النَّوويُّ رحمه الله في حكم الخُرُوج على الإمام الظَّالم والحاكم الجائر: " وَأَمَّا الْخُرُوج عَلَيْهِمْ وَقِتَالهمْ فَحَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَة ظَالِمِينَ." [4].
وهذا الإجماع الذي ينقله الإمام النَّوويُّ رحمه الله يُشْكِل عليه خُرُوج جماعةٍ من أهل العلم والدِّين على الحُكَّام الظَّالمين كما فعل الحُسيْن وابن الزُّبيْر رضي الله عنه في دولة بني أُمَيَّة، وخُرُوج ابن الأشعث على الحجَّاج، وقد أجاب بعض العُلَماء على هذا الإشكال بأنَّ الخلاف كان أولاً، ثم استقرَّ الأمر على ترك ذلك لمَّا رأوه قد أفضى إلى أشدَّ منه، وحصل الإجماع على منع الخُرُوج عليهم [5].
وهذه الأحكام جديرٌ بشباب الصَّحْوَة أن يدرسوها، مُستصحِبين وقائع التَّاريخ وشواهد الواقع المُعاصر، حتى يعلموا أنَّ مفسدة الخُرُوج عظيمةٌ إذا ما قيست إلى مفسدة بقاء الظَّالم، كما يقول القُرْطُبيُّ رحمه الله: "ففيه ـ أي الخُرُوج ـ استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدِّماء، وانطلاق أيدي السُّفهاء، وشنُّ الغارات على المُسلمين، والفساد في الأرض" [6].
وهاهنا أنقل كلاماً نفسياً لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله وهو من هو في جهاده للظَّالمين وقمعه لأهل المُنكر والمُبتدعين، يقول رحمه الله: " إِنَّ الْمَلِكَ الظَّالِمَ: لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الشَّرِّ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ. وَقَدْ قِيلَ: سِتُّونَ سَنَةً بِإِمَامِ ظَالِمٍ: خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إمَامٍ. وَإِذَا قُدِّرَ كَثْرَةُ ظُلْمِهِ: فَذَاكَ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ، كَالْمَصَائِبِ تَكُونُ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِمْ وَيُثَابُونَ عَلَيْهَا، وَيَرْجِعُونَ فِيهَا إلَى اللَّهِ، ويستغفرونه وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ. وَكَذَلِك مَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ. وَأَمَّا مَنْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَيَقُولُ - أَيْ يَدَّعِي - أَنَّهُ نَبِيٌّ: فَلَوْ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَأْيِيدَ الصَّادِقِ: لَلَزِمَ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّادِقِ. فَيَسْتَوِي الْهُدَى وَالضَّلَالُ، وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَطَرِيقُ الْجَنَّةِ وَطَرِيقُ النَّارِ. وَيَرْتَفِعُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا. وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْفَسَادَ الْعَامَّ لِلنَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ. وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى الدِّينِ الْفَاسِدِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَالْخَوَارِجِ. وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ. وَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ." [7] أ. هـ. [1] - الذين يحكمون بما أنزل الله [2] - ابن تيمية - الحسبة في الإسلام 76 - الطبعة الأولى 1403هـ 1983م توزيع رئاسة البحوث العلمية. [3] - ابن أبي العز الحنفي - شرح العقيدة الطحاوية 430 - المكتب الإسلامي - الطبعة الخامسة 1399هـ - بيروت. [4] - النووي - شرح مسلم 12/ 229. [5] - ابن حجر - تهذيب التهذيب 2/ 288. [6] - القرطبي - الجامع لأحكام القرآن 2/ 209 [7] - ابن تيمية - مجموع الفتاوى 14/ 269 ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 270)
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 95