responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 318
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الثَّالِثَة: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيم الْكَذِب عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْن مَا كَانَ فِي الْأَحْكَام وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ كَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب وَالْمَوَاعِظ وَغَيْر ذَلِكَ فَكُلّه حَرَام مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر وَأَقْبَح الْقَبَائِح بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاع، خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّة الطَّائِفَة الْمُبْتَدِعَة فِي زَعْمِهِمْ الْبَاطِل أَنَّهُ يَجُوز وَضْع الْحَدِيث فِي التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب، وَتَابَعَهُمْ عَلَى هَذَا كَثِيرُونَ مِنْ الْجَهَلَة الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَنْفُسهمْ إِلَى الزُّهْد أَوْ يَنْسُبهُمْ جَهَلَة مِثْلهمْ، وَشُبْهَة زَعْمهمْ الْبَاطِل أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار. وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي اِنْتَحَلُوهُ وَفَعَلُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ غَايَة الْجَهَالَة وَنِهَايَة الْغَفْلَة، وَأَدَلّ الدَّلَائِل عَلَى بُعْدهمْ مِنْ مَعْرِفَة شَيْء مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع، وَقَدْ جَمَعُوا فِيهِ جُمَلًا مِنْ الْأَغَالِيط اللَّائِقَة بِعُقُولِهِمْ السَّخِيفَة وَأَذْهَانهمْ الْبَعِيدَة الْفَاسِدَة فَخَالَفُوا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، وَخَالَفُوا صَرِيح هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَوَاتِرَة وَالْأَحَادِيث الصَّرِيحَة الْمَشْهُورَة فِي إِعْظَام شَهَادَة الزُّور، وَخَالَفُوا إِجْمَاع أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد. وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِل الْقَطْعِيَّات فِي تَحْرِيم الْكَذِب عَلَى آحَاد النَّاس فَكَيْف بِمَنْ قَوْله شَرْع وَكَلَامه وَحْي، وَإِذَا نَظَرَ فِي قَوْلهمْ وَجَدَ كَذِبًا عَلَى اللَّه تَعَالَى، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى} وَمِنْ أَعْجَب الْأَشْيَاء قَوْلهمْ: هَذَا كَذِب لَهُ، وَهَذَا جَهْل مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَب وَخِطَاب الشَّرْع فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ عِنْدهمْ كَذِب عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ؛ فَأَجَابَ الْعُلَمَاء عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَخْصَرُهَا أَنَّ قَوْله لِيُضِلَّ النَّاس، زِيَادَة بَاطِلَة اِتَّفَقَ الْحُفَّاظ عَلَى إِبْطَالهَا وَأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ صَحِيحَةً بِحَالٍ.
الثَّانِي: جَوَاب أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاس}.
الثَّالِث: أَنَّ اللَّام فِي لِيُضِلَّ لَيْسَتْ لَام التَّعْلِيل بَلْ هِيَ لَام الصَّيْرُورَة وَالْعَاقِبَة، مَعْنَاهُ أَنَّ عَاقِبَة كَذِبِه وَمَصِيرِه إِلَى الْإِضْلَال بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وَنَظَائِره فِي الْقُرْآن وَكَلَام الْعَرَب أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَر وَعَلَى هَذَا يَكُون مَعْنَاهُ فَقَدْ يَصِير أَمْر كَذِبه إِضْلَالًا، وَعَلَى الْجُمْلَة مَذْهَبُهُمْ أَرَكُّ مِنْ أَنْ يُعْتَنَى بِإِيرَادِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُهْتَمَّ بِإِبْعَادِهِ وَأَفْسَدُ مِنْ أَنْ يُحْتَاج إِلَى إِفْسَاده. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
الرَّابِعَة: يَحْرُم رِوَايَة الْحَدِيث الْمَوْضُوع عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِل فِي هَذَا الْوَعِيد، مُنْدَرِج فِي جُمْلَة الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيث السَّابِق " مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ".
وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء: يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ رِوَايَة حَدِيث أَوْ ذَكَرَهُ أَنْ يَنْظُر فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كَذَا أَوْ فَعَلَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَقُلْ: قَالَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى وَشِبْهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْم بَلْ يَقُول: رُوِيَ عَنْهُ كَذَا أَوْ جَاءَ عَنْهُ كَذَا أَوْ يُرْوَى أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يُقَالُ أَوْ بَلَغَنَا وَمَا أَشْبَهَهُ. وَاَللَّه سُبْحَانه أَعْلَمُ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَيَنْبَغِي لِقَارِئِ الْحَدِيث أَنْ يَعْرِف مِنْ النَّحْو وَاللُّغَة وَأَسْمَاء الرِّجَال مَا يَسْلَمُ بِهِ مِنْ قَوْله مَا لَمْ يَقُلْ، وَإِذَا صَحَّ فِي الرِّوَايَة مَا يَعْلَم أَنَّهُ خَطَأ فَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَلَى الصَّوَاب وَلَا يُغَيِّرهُ فِي الْكِتَاب، لَكِنْ يَكْتُب فِي الْحَاشِيَة أَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَة كَذَا وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَا، وَيَقُول عِنْد الرِّوَايَة: كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَوْ فِي رِوَايَتنَا وَالصَّوَاب كَذَا، فَهُوَ أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ فَقَدْ يَعْتَقِدهُ خَطَأً وَيَكُون لَهُ وَجْهٌ يَعْرِفهُ غَيْرُهُ وَلَوْ فُتِحَ بَاب تَغْيِير الْكِتَاب لَتَجَاسَرَ عَلَيْهِ غَيْر أَهْله.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَيَنْبَغِي لِلرَّاوِي وَقَارِئ الْحَدِيث، إِذَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ فَقَرَأَهَا عَلَى الشَّكِّ أَنْ يَقُول عَقِبَهُ أَوْ كَمَا قَالَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول السَّابِقَة الْخِلَاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِمَنْ هُوَ كَامِل الْمَعْرِفَة. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيُسْتَحَبّ لِمَنْ رَوَى بِالْمَعْنَى أَنْ يَقُول بَعْده أَوْ كَمَا قَالَ أَوْ نَحْوَ هَذَا كَمَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ. وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَأَمَّا تَوَقُّف الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - فِي الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَالْإِكْثَار مِنْهَا، فَلِكَوْنِهِمْ خَافُوا الْغَلَطَ وَالنِّسْيَانَ. وَالنَّاسِي وَإِنْ كَانَ لَا إِثْم عَلَيْهِ فَقَدْ يُنْسَب إِلَى تَفْرِيط لِتَسَاهُلِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ. وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالنَّاسِي بَعْضُ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة كَغَرَامَاتِ الْمُتْلَفَات وَانْتِقَاض وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَات. وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 318
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست