responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 263
وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَالَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ حَتَّى مَاتَ [1]،وَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةُ حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ عَنْ خَيْبَرَ [2] وَكَانَ قَدْ شارطهم أَنْ يُعَمِّرُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ الْبَذْرُ

[1] - صحيح مسلم برقم (4044) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ.
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 392)
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الْمُسَاقَاة، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد، وَجَمِيع فُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ، وَأَهْل الظَّاهِر، وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَجُوز، وَتَأَوَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّ خَيْبَر فُتِحَتْ عَنْوَة، وَكَانَ أَهْلهَا عَبِيدًا لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،فَمَا أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ، وَمَا تَرَكَهُ فَهُوَ لَهُ
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِظَوَاهِر هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَبِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " أُقِرّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّه " وَهَذَا حَدِيث صَرِيح فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَبِيدًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي خَيْبَر هَلْ فُتِحَتْ عَنْوَة، أَوْ صُلْحًا، أَوْ بِجَلَاءِ أَهْلهَا عَنْهَا بِغَيْرِ قِتَال، أَوْ بَعْضهَا صُلْحًا، وَبَعْضهَا عَنْوَة، وَبَعْضهَا جَلَا عَنْهُ أَهْله، أَوْ بَعْضهَا صُلْحًا، وَبَعْضهَا عَنْوَة؟ قَالَ: وَهَذَا أَصَحّ الْأَقْوَال، وَهِيَ رِوَايَة مَالِك وَمَنْ تَابَعَهُ، وَبِهِ قَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ. قَالَ: وَفِي كُلّ قَوْل أَثَر مَرْوِيّ. وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَر أَرَادَ إِخْرَاج الْيَهُود مِنْهَا، وَكَانَتْ الْأَرْض حِين ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يَدُلّ لِمَنْ قَالَ عَنْوَة إِذْ حَقّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَنْوَة، وَظَاهِر قَوْل مَنْ قَالَ صُلْحًا أَنَّهُمْ صُولِحُوا عَلَى كَوْن الْأَرْض لِلْمُسْلِمِينَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَجُوز عَلَيْهِ الْمُسَاقَاة مِنْ الْأَشْجَار، فَقَالَ دَاوُدَ: يَجُوز عَلَى النَّخْل خَاصَّة، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: عَلَى النَّخْل وَالْعِنَب خَاصَّة، وَقَالَ مَالِك: تَجُوز عَلَى جَمِيع الْأَشْجَار، وَهُوَ قَوْل لِلشَّافِعِيِّ. فَأَمَّا دَاوُدَ فَرَآهَا رُخْصَة فَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيّ فَوَافَقَ دَاوُدَ فِي كَوْنهَا رُخْصَة، لَكِنْ قَالَ: حُكْم الْعِنَب حُكْم النَّخْل فِي مُعْظَم الْأَبْوَاب. وَأَمَّا مَالِك فَقَالَ: سَبَب الْجَوَاز الْحَاجَة وَالْمَصْلَحَة. وَهَذَا يَشْمَل الْجَمِيع فَيُقَاسَ عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (بِشَطْرِ مَا يَخْرُج مِنْهَا) فِي بَيَان الْجُزْء الْمُسَاقِي عَلَيْهِ مِنْ نِصْف أَوْ رُبُع أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْأَجْزَاء الْمَعْلُومَة، فَلَا يَجُوز عَلَى مَجْهُول كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَعْض الثَّمَر. وَاتَّفَقَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى جَوَازهَا بِمَا اِتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيل أَوْ كَثِير.
قَوْله: (مِنْ ثَمَر أَوْ زَرْع) يَحْتَجّ بِهِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ فِي جَوَاز الْمُزَارَعَة تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَة عِنْدهمْ لَا تَجُوز مُنْفَرِدَة، فَتَجُوز تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، فَيُسَاقِيه عَلَى النَّخْل، وَيُزَارِعهُ عَلَى الْأَرْض كَمَا جَرَى فِي خَيْبَر. وَقَالَ مَالِك: لَا تَجُوز الْمُزَارَعَة لَا مُنْفَرِدَة وَلَا تَبَعًا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَرْض بَيْن الشَّجَر. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَزُفَر: الْمُزَارَعَة وَالْمُسَاقَاة فَاسِدَتَانِ سَوَاء جَمَعَهُمَا أَوْ فَرَّقَهُمَا. وَلَوْ عُقِدَتَا فَسَخَتَا. وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمَّد، وَسَائِر الْكُوفِيِّينَ، وَفُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ، وَأَحْمَد، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَابْن شُرَيْح وَآخَرُونَ: تَجُوز الْمُسَاقَاة وَالْمُزَارَعَة مُجْتَمِعَتَيْنِ، وَتَجُوز كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُنْفَرِدَة. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار لِحَدِيثِ خَيْبَر. وَلَا يُقْبَل دَعْوَى كَوْن الْمُزَارَعَة فِي خَيْبَر إِنَّمَا جَازَتْ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، بَلْ جَازَتْ مُسْتَقِلَّة، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّز لِلْمُسَاقَاةِ مَوْجُود فِي الْمُزَارَعَة قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاض؛ فَإِنَّهُ جَائِز بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي كُلّ شَيْء، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيع الْأَمْصَار وَالْأَعْصَار مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْعَمَل بِالْمُزَارَعَةِ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي النَّهْي عَنْ الْمُخَابَرَة فَسَبَقَ الْجَوَاب عَنْهَا، وَأَنَّهَا مَحْمُولَة عَلَى مَا إِذَا شَرَطَا لِكُلِّ وَاحِد قِطْعَة مُعَيَّنَة مِنْ الْأَرْض. وَقَدْ صَنَّفَ اِبْن خُزَيْمَةَ كِتَابًا فِي جَوَاز الْمُزَارَعَة، وَاسْتَقْصَى فِيهِ وَأَجَادَ، وَأَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيث بِالنَّهْيِ. وَاَللَّه أَعْلَم
[2] - ففي صحيح مسلم برقم (4049) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا». فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست